الجهل ، ولو عمل أحد معصية وهو غير عالم بأنّها معصية لم يكن آثما ولا يجب عليه إلّا أن يتعلّم ذلك ويتجنّبه.
وقوله : (مِنْ قَرِيبٍ) ، من فيه للابتداء و (قَرِيبٍ) صفة لمحذوف ، أي من زمن قريب من وقت عمل السوء.
وتأوّل بعضهم معنى (مِنْ قَرِيبٍ) بأنّ القريب هو ما قبل الاحتضار ، وجعلوا قوله بعده (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) يبيّن المراد من معنى (قريب).
واختلف المفسّرون من السلف ومن بعدهم في إعمال مفهوم القيدين «بجهالة ـ من قريب» حتّى قيل : إنّ حكم الآية منسوخ بآية (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) [النساء : ٤٨] ، والأكثر على أنّ قيد (بجهالة) كوصف كاشف لعمل السوء لأنّ المراد عمل السوء مع الإيمان. فقد روى عبد الرزاق عن قتادة قال : اجتمع أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم فرأوا أنّ كلّ عمل عصي الله به فهو جهالة عمدا كان أو غيره. والذي يظهر أنّهما قيدان ذكرا للتنبيه على أنّ شأن المسلم أن يكون عمله جاريا على اعتبار مفهوم القيدين وليس مفهوماهما بشرطين لقبول التوبة ، وأنّ قوله تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) إلىوَهُمْ كُفَّارٌ) قسيم لمضمون قوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) إلخ ، ولا واسطة بين هذين القسمين.
وقد اختلف علماء الكلام في قبول التوبة ؛ هل هو قطعي أو ظني فيها لتفرّع أقوالهم فيها على أقوالهم في مسألة وجوب الصلاح والأصلح لله تعالى ووجوب العدل. فأمّا المعتزلة فقالوا : التوبة الصادقة مقبولة قطعا بدليل العقل ، وأحسب أنّ ذلك ينحون به إلى أنّ التائب قد أصلح حاله ، ورغب في اللحاق بأهل الخير ، فلو لم يقبل الله منه ذلك لكان إبقاء له في الضلال والعذاب ، وهو منزّه عنه تعالى على أصولهم ، وهذا إن أرادوه كان سفسطة لأنّ النظر هنا في العفو عن عقاب استحقّه التائب من قبل توبته لا في ما سيأتي به بعد التوبة.
وأمّا علماء السنّة فافترقوا فرقتين : فذهب جماعة إلى أنّ قبول التوبة مقطوع به لأدلّة سمعيّة ، هي وإن كانت ظواهر ، غير أنّ كثرتها أفادت القطع (كإفادة المتواتر القطع مع أنّ كلّ خبر من آحاد المخبرين به لا يفيد إلّا الظنّ ، فاجتماعها هو الذي فاد القطع ، وفي تشبيه ذلك بالتواتر نظر) ، وإلى هذا ذهب الأشعري ، والغزالي والرازي ، وابن عطية ووالده أبو بكر ابن عطية ، وذهب جماعة إلى أنّ القبول ظني لا قطعي ، وهو قول أبي بكر