عظيما ـ فقد ضلّ ضلالا بعيدا» إلخ ، وسوى التهديد بالقتال ، وقطع معذرة المتقاعدين عن الهجرة ، وتوهين بأسهم عن المسلمين ، ممّا يدلّ على أنّ أمر المشركين قد صار إلى وهن ، وصار المسلمون في قوة عليهم ، وأنّ معظمها ، بعد التشريع ، جدال كثير مع اليهود وتشويه لأحوال المنافقين ، وجدال مع النصارى ليس بكثير ، ولكنّه أوسع ممّا في سورة آل عمران ، ممّا يدلّ على أنّ مخالطة المسلمين للنصارى أخذت تظهر بسبب تفشّي الإسلام في تخوم الحجاز الشامية لفتح معظم الحجاز وتهامة.
وقد عدّت الثالثة والتسعين من السور. نزلت بعد سورة الممتحنة وقبل سورة : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ) [الزلزلة : ١].
وعدد آيها مائة وخمس وسبعون في عدد أهل المدينة ومكّة والبصرة ، ومائة وست وسبعون في عدد أهل الكوفة ، ومائة وسبع وسبعون في عدد أهل الشام.
وقد اشتملت على أغراض وأحكام كثيرة أكثرها تشريع معاملات الأقرباء وحقوقهم ، فكانت فاتحتها مناسبة لذلك بالتذكير بنعمة خلق الله ، وأنّهم محقوقون بأن يشكروا ربّهم على ذلك ، وأن يراعوا حقوق النوع الذي خلقوا منه ، بأن يصلوا أرحامهم القريبة والبعيدة ، وبالرفق بضعفاء النوع من اليتامى ، ويراعوا حقوق صنف النساء من نوعهم بإقامة العدل في معاملاتهنّ ، والإشارة إلى عقود النكاح والصداق ، وشرع قوانين المعاملة مع النساء في حالتي الاستقامة والانحراف من كلا الزوجين ، ومعاشرتهنّ والمصالحة معهنّ ، وبيان ما يحلّ للتزوّج منهنّ ، والمحرّمات بالقرابة أو الصهر ، وأحكام الجواري بملك اليمين. وكذلك حقوق مصير المال إلى القرابة ، وتقسيم ذلك ، وحقوق حفظ اليتامى في أموالهم وحفظها لهم والوصاية عليهم.
ثم أحكام المعاملات بين جماعة المسلمين في الأموال والدماء وأحكام القتل عمدا وخطأ ، وتأصيل الحكم الشرعي بين المسلمين في الحقوق والدفاع عن المعتدى عليه ، والأمر بإقامة العدل بدون مصانعة ، والتحذير من اتّباع الهوى ، والأمر بالبرّ ، والمواساة ، وأداء الأمانات ، والتمهيد لتحريم شرب الخمر.
وطائفة من أحكام الصلاة ، والطهارة ، وصلاة الخوف. ثم أحوال اليهود ، لكثرتهم بالمدينة ، وأحوال المنافقين وفضائحهم ، وأحكام الجهاد لدفع شوكة المشركين. وأحكام معاملة المشركين ومساويهم ، ووجوب هجرة المؤمنين من مكّة ، وإبطال مآثر الجاهلية.