في حرمة تزوّج ابنه إياها. وذكر (مِنَ النِّساءِ) بيان لكون (ما) موصولة.
والنهي يتعلّق بالمستقبل ، والفعل المضارع مع النهي مدلوله إيجاد الحدث في المستقبل ، وهذا المعنى يفيد النهي عن الاستمرار على نكاحهنّ إذا كان قد حصل قبل ورود النهي. والنكاح حقيقة في العقد شرعا بين الرجل والمرأة على المعاشرة والاستمتاع بالمعنى الصحيح شرعا ، وتقدّم أنّه حقيقة في هذا المعنى دون الوطء عند تفسير قوله تعالى : (فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) في سورة البقرة [٢٣٠] ، فحرام على الرجل أن يتزوّج امرأة عقد أبوه عليها عقد نكاح صحيح ، ولو لم يدخل بها ، وأمّا إطلاق النكاح على الوطء بعقد فقد حمل لفظ النكاح عليه بعض العلماء ، وزعموا أنّ قوله تعالى : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) أطلق فيه النكاح على الوطء لأنّها لا يحلّها لمطلّقها ثلاثا مجرّد العقد أي من غير حاجة إلى الاستعانة ببيان السنّة للمقصود من قوله : (تَنْكِحَ) وقد بيّنت ردّ ذلك في سورة البقرة عند قوله تعالى : (فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ).
وأما الوطء الحرام من زنى فكونه من معاني النكاح في لغة العرب دعوى واهية.
وقد اختلف الفقهاء فيمن زنى بامرأة هل تحرم على ابنه أو على أبيه. فالذي ذهب إليه مالك في «الموطأ» ، والشافعي : أنّ الزنى لا ينشر الحرمة ، وهذا الذي حكاه الشيخ أبو محمد بن أبي زيد في «الرسالة» ، ويروى ذلك عن عكرمة عن ابن عباس ، وهو قول الزهري ، وربيعة ، والليث. وقال أبو حنيفة ، وابن الماجشون من أصحاب مالك : الزنى ينشر الحرمة. قال ابن الماجشون : مات مالك على هذا. وهو قول الأوزاعي والثوري. وقال ابن الموّاز : هو مكروه ، ووقع في المدوّنة (يفارقها) فحمله الأكثر على الوجوب. وتأوّله بعضهم على الكراهة. وهذه المسألة جرت فيها مناظرة بين الشافعي ومحمد بن الحسن أشار إليها الجصّاص في أحكامه ، والفخر في مفاتيح الغيب ، وهي طويلة.
و (ما قَدْ سَلَفَ) هو ما سبق نزول هذه الآية أي إلّا نكاحا قد سلف فتعيّن أنّ هذا النكاح صار محرّما. ولذلك تعيّن أن يكون الاستثناء في قوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) مؤوّلا إذ ما قد سلف كيف يستثنى من النهي عن فعله وهو قد حصل ، فتعيّن أنّ الاستثناء يرجع إلى ما يقتضيه النهي من الإثم ، أي لا إثم عليكم فيما قد سلف. ثم ينتقل النظر إلى أنّه هل يقرّر عليه فلا يفرّق بين الزوجين اللذين تزوّجا قبل نزول الآية ، وهذا لم يقل به إلّا بعض المفسّرين فيما نقله الفخر ، ولم أقف على أثر يثبت قضية معيّنة فرّق فيها النبي صلىاللهعليهوسلم