الحكم في أوّل أمر التحريم أن لا تقع الحرمة إلّا بعشر رضعات ثمّ نسخن بخمس ، لحديث عائشة «كان فيما أنزل الله عشر رضعات معلومات يحرّمن ثمّ نسخن بخمس معلومات فتوفّي رسول الله وهي فيما يقرأ من القرآن» وبه أخذ الشافعي. وقال الجمهور : هو منسوخ ، وردّوا قولها (فتوفّي رسول الله وهي فيما يقرأ) بنسبة الراوي إلى قلّة الضبط لأنّ هذه الجملة مسترابة إذ أجمع المسلمون على أنها لا تقرأ ولا نسخ بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وإذا فطم الرضيع قبل الحولين فطاما استغنى بعده عن لبن المرضع بالطعام والشراب لم تحرم عليه من أرضعته بعد ذلك.
وقوله تعالى : (وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) إطلاق اسم الأخت على التي رضعت من ثدي مرضعة من أضيفت أخت إليه جرى على لغة العرب ، كما تقدّم في إطلاق الأمّ على المرضع. والرضاعة ـ بفتح الراء ـ اسم مصدر رضع ، ويجوز ـ كسر الراء ـ ولم يقرأ به. ومحلّ (مِنَ الرَّضاعَةِ) حال من (أَخَواتُكُمْ) و (مِنَ) فيه للتعليل والسببية ، فلا تعتبر أخوّة الرضاعة إلّا برضاعة البنت من المرأة التي أرضعت الولد.
وقوله : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) هؤلاء المذكورات إلى قوله : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) هنّ المحرّمات بسبب الصّهر ، ولا أحسب أنّ أهل الجاهلية كانوا يحرّمون شيئا منها ، كيف وقد أباحوا أزواج الآباء وهنّ أعظم حرمة من جميع نساء الصهر ، فكيف يظنّ أنهم يحرّمون أمّهات النساء والربائب وقد أشيع أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم يريد أن يتزوّج درّة بنت أبي سلمة وهي ربيبته إذ هي بنت أمّ سلمة ، فسألته إحدى أمّهات المؤمنين فقال : «لو لم تكن ربيبتي لما حلّت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأبا سلمة ثويبة» ، وكذلك حلائل الأبناء إذ هنّ أبعد من حلائل الآباء ، فأرى أنّ هذا من تحريم الإسلام وأنّ ما حكى ابن عطية عن ابن عباس (١) ليس على إطلاقه.
وتحريم هؤلاء حكمته تسهيل الخلطة ، وقطع الغيرة ، بين قريب القرابة حتّى لا تفضي إلى حزازات وعداوات ، قال الفخر : «لو لم يدخل على المرأة أبو الرجل وابنه ، ولم تدخل على الرجل امرأته وابنتها ، لبقيت المرأة كالمحبوسة. ولتعطّل على الزوج والزوجة أكثر المصالح ، ولو كان الإذن في دخول هؤلاء دون حكم المحرمية فقد تمتدّ عين البعض إلى البعض وتشتدّ الرغبة فتحصل النفرة الشديدة بينهنّ ، والإيذاء من الأقارب أشدّ إيلاما ،
__________________
(١) تقدم في صفحة ٧٨ (من هذه الصفحات).