الجمل الثلاث في الخبرية المراد بها الإنشاء ، وفي الفعلية والماضوية.
وقرأ الجمهور : (وَأُحِلَّ لَكُمْ) بالبناء للفاعل ، والضمير المستتر عائد إلى اسم الجلالة من قوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ).
وأسند التحليل إلى الله تعالى إظهارا للمنّة ، ولذلك خالف طريقة إسناد التحريم إلى المجهول في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) لأنّ التحريم مشقّة فليس المقام فيه مقام منّة.
وقرأ حمزة ، والكسائي ، وحفص عن عاصم ، وأبو جعفر : (وَأُحِلَ) ـ بضم الهمزة وكسر الحاء ـ على البناء للنائب على طريقة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ).
والوراء هنا بمعنى غير ودون ، كقول النابغة :
وليس وراء الله للمرء مذهب
وهو مجاز ؛ لأنّ الوراء هو الجهة التي هي جهة ظهر ما يضاف إليه. والكلام تمثيل لحال المخاطبين بحال السائر يترك ما وراءه ويتجاوزه.
والمعنى : أحلّ لكم ما عدا أولئكم المحرّمات ، وهذا أنزل قبل تحريم ما حرّمته السّنة نحو (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها) ، ونحو (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب).
وقوله : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) يجوز أن يكون بدل اشتمال من (ما) باعتبار كون الموصول مفعولا ل (أُحِلَّ) ، والتقدير : أن تبتغوهنّ بأموالكم فإنّ النساء المباحات لا تحلّ إلّا بعد العقد وإعطاء المهور ، فالعقد هو مدلول (تَبْتَغُوا) ، وبذل المهر هو مدلول (بِأَمْوالِكُمْ) ، ورابط الجملة محذوف : تقديره أن تبتغوه ، والاشتمال هنا كالاشتمال في قول النابغة :
مخافة عمرو أن تكون جياده |
|
يقدن إلينا بين حاف وناعل |
ويجوز أن يجعل (أَنْ تَبْتَغُوا) معمولا للام التعليل محذوفة ، أي أحلّهن لتبتغوهنّ بأموالكم ، والمقصود هو عين ما قرّر في الوجه الأول.
و (مُحْصِنِينَ) حال من فاعل (تَبْتَغُوا) أي محصنين أنفسكم من الزنى ، والمراد متزوّجين على الوجه المعروف. (غَيْرَ مُسافِحِينَ) حال ثانية ، والمسافح الزاني ، لأنّ الزنى