ووصل (خَلَقَكُمْ) بصلة (مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) إدماج للتنبيه على عجيب هذا الخلق وحقّه بالاعتبار. وفي الآية تلويح للمشركين بأحقّيّة اتّباعهم دعوة الإسلام ، لأنّ الناس أبناء أب واحد ، وهذا الدين يدعو الناس كلّهم إلى متابعته ولم يخصّ أمّة من الأمم أو نسبا من الأنساب ، فهو جدير بأن يكون دين جميع البشر ، بخلاف بقية الشرائع فهي مصرّحة باختصاصها بأمم معيّنة. وفي الآية تعريض للمشركين بأنّ أولى الناس بأن يتّبعوه هو محمدصلىاللهعليهوسلم لأنّه من ذوي رحمهم. وفي الآية تمهيد لما سيبيّن في هذه السورة من الأحكام المرتّبة على النسب والقرابة.
والنفس الواحدة : هي آدم. والزوج : حوّاء ، فإنّ حوّاء أخرجت من آدم. من ضلعه، كما يقتضيه ظاهر قوله : (مِنْها).
و (من) تبعيضية. ومعنى التبعيض أنّ حوّاء خلقت من جزء من آدم. قيل : من بقية الطينة التي خلق منها آدم. وقيل : فصلت قطعة من ضلعه وهو ظاهر الحديث الوارد في «الصحيحين».
ومن قال : إنّ المعنى وخلق زوجها من نوعها لم يأت بطائل ، لأنّ ذلك لا يختصّ بنوع الإنسان فإنّ أنثى كلّ نوع هي من نوعه.
وعطف قوله : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) على (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) ، فهو صلة ثانية. وقوله : (وَبَثَّ مِنْهُما) صلة ثالثة لأنّ الذي يخلق هذا الخلق العجيب جدير بأن يتّقى ، ولأنّ في معاني هذه الصلات زيادة تحقيق اتّصال الناس بعضهم ببعض ، إذ الكلّ من أصل واحد ، وإن كان خلقهم ما حصل إلّا من زوجين فكلّ أصل من أصولهم ينتمي إلى أصل فوقه.
وقد حصل من ذكر هذه الصلات تفصيل لكيفية خلق الله الناس من نفس واحدة. وجاء الكلام على هذا النظم توفية بمقتضى الحال الداعي للإتيان باسم الموصول ، ومقتضى الحال الداعي لتفصيل حالة الخلق العجيب. ولو غير هذا الأسلوب فجيء بالصورة المفصّلة دون سبق إجمال ، فقيل : الذي خلقكم من نفس واحدة وبثّ منها رجالا كثيرا ونساء لفاتت الإشارة إلى الحالة العجيبة. وقد ورد في الحديث : أنّ حواء خلقت من ضلع آدم ، فلذلك يكون حرف (من) في قوله : (وَخَلَقَ مِنْها) للابتداء ، أي أخرج خلق حواء من ضلع آدم. والزوج هنا أريد به الأنثى الأولى التي تناسل منها البشر ، وهي حوّاء. وأطلق عليها اسم الزوج لأنّ الرجل يكون منفردا فإذا اتّخذ امرأة فقد صارا زوجا