الشَّهَواتِ) [النساء : ٢٧] ، أي الاسترسال على ما كانوا عليه في الجاهلية ، فأعقب ذلك ببيان أنّ في ذلك بيانا وهدى. حتّى لا تكون شريعة هذه الأمّة دون شرائع الأمم التي قبلها ، بل تفوقها في انتظام أحوالها ، فكان هذا كالاعتذار على ما ذكر من المحرّمات. فقوله: (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) تعليل لتفصيل الأحكام في مواقع الشبهات كيلا يضلّوا كما ضلّ من قبلهم ، ففيه أنّ هذه الشريعة أهدى ممّا قبلها.
وقوله : (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) بيان لقصد إلحاق هذه الأمّة بمزايا الأمم التي قبلها.
والإرادة : القصد والعزم على العمل ، وتطلق على الصفة الإلهيّة التي تخصّص الممكن ببعض ما يجوز عليه. والامتنان بما شرعه الله للمسلمين من توضيح الأحكام قد حصلت إرادته فيما مضى ، وإنّا عبّر بصيغة المضارع هنا للدلالة على تجدّد البيان واستمراره ، فإنّ هذه التشريعات دائمة مستمرّة تكون بيانا للمخاطبين ولمن جاء بعدهم ، وللدلالة على أنّ الله يبقي بعدها بيانا متعاقبا.
وقوله : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) انتصب فعل (لِيُبَيِّنَ) بأن المصدرية محذوفة ، والمصدر المنسبك مفعول (يُرِيدُ) ، أي يريد الله البيان لكم والهدى والتوبة ، فكان أصل الاستعمال ذكر (أن) المصدرية ، ولذلك فاللام هنا لتوكيد معنى الفعل الذي قبلها ، وقد شاعت زيادة هذه اللّام بعد مادّة الإرادة وبعد مادّة الأمر معاقبة لأن المصدرية. تقول ، أريد أن تفعل وأريد لتفعل ، وقال تعالى : (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ)[لتوبة : ٣٢] وقال : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) [الصف : ٨] وقال : (وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [غافر : ٦٦] وقال : (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى : ١٥] فإذا جاءوا باللّام أشبهت لام التعليل فقدّروا (أن) بعد اللام المؤكّدة كما قدروها بعد لام كي لأنّها أشبهتها في الصورة ، ولذلك قال الفرّاء : اللام نائبة عن أن المصدرية. وإلى هذه الطريقة مال صاحب «الكشاف».
وقال سيبويه : هي لام التعليل أي لام كي ، وأنّ ما بعدها علّة ، ومفعول الفعل الذي قبلها محذوف يقدّر بالقرينة ، أي يريد الله التحليل والتحريم ليبيّن. ومنهم من قرّر قول سيبويه بأنّ المفعول المحذوف دلّ عليه التعليل المذكور فيقدّر : يريد الله البيان ليبيّن ، فيكون الكلام مبالغة بجعل العلّة نفس المعلّل.
وقال الخليل ، وسيبويه في رواية عنه : اللّام ظرف مستقرّ هو خبر عن الفعل السابق،