(وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً) [الإسراء : ٧٣] فلا أراهم كتبوا ألفا بعد اللام ألف فيما كتبوها فيه إلّا لمقصد ، ولعلّهم أرادوا التنبيه على أنّ الهمزة مفتوحة وعلى أنّها همزة قطع.
وجملة (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ) في موضع الحال من ضمير (وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ) [التوبة : ٤٦] العائد على الذين لا يؤمنون بالله في قوله تعالى : (إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) [التوبة : ٤٥] المراد بهم المنافقون كما تقدّم.
وبغى يتعدّى إلى مفعول واحد لأنّه بمعنى طلب ، وتقدّم في قوله تعالى : (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ) في سورة آل عمران [٨٣]. وعدّي (يَبْغُونَكُمُ) إلى ضمير المخاطبين هنا على طريقة نزع الخافض ، وأصله يبغون لكم الفتنة. وهو استعمال شائع في فعل بغي بمعنى طلب.
والفتنة : اختلال الأمور وفساد الرأي ، وتقدّمت في قوله : (وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ) في سورة المائدة [٧١].
وقوله : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) أي في جماعة المسلمين ، أي من بين المسلمين (سَمَّاعُونَ لَهُمْ) فيجوز أن يكون هؤلاء السماعون مسلمين يصدقون ما يسمعونه من المنافقين. ويجوز أن يكون السماعون منافقين مبثوثين بين المسلمين.
وهذه الجملة اعتراض للتنبيه على أنّ بغيهم الفتنة أشدّ خطرا على المسلمين لأنّ في المسلمين فريقا تنطلي عليهم حيلهم ، وهؤلاء هم سذج المسلمين الذين يعجبون من أخبارهم ويتأثّرون ولا يبلغون إلى تمييز التمويهات والمكائد عن الصدق والحقّ.
وجاء (سَمَّاعُونَ) بصيغة المبالغة للدلالة على أنّ استماعهم تامّ وهو الاستماع الذي يقارنه اعتقاد ما يسمع كقوله : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ) [المائدة : ٤١] وعن الحسن ، ومجاهد ، وابن زيد : معنى (سَمَّاعُونَ لَهُمْ) ، أي جواسيس يستمعون الأخبار وينقلونها إليهم ، وقال قتادة وجمهور المفسّرين : معناه وفيكم من يقبل منهم قولهم ويطيعهم ، قال النحاس الأغلب أن معنى سماع يسمع الكلام ومثله (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) [المائدة : ٤١]. وأمّا من يقبل ما يسمعه فلا يكاد يقال فيه إلّا سامع مثل قائل.
وجيء بحرف (في) من قوله : (وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ) الدالّ على الظرفية دون حرف (من) فلم يقل ومنكم سمّاعون لهم أو ومنهم سماعون ، لئلا يتوهّم تخصيص السماعين بجماعة من أحد الفريقين دون الآخر لأنّ المقصود أنّ السماعين لهم فريقان فريق من