فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ) [الأحزاب : ٦٠] الآية.
والاستفهام مستعمل في النفي بقرينة الاستثناء. ومعنى الكلام توبيخ لهم وتخطئة لتربّصهم لأنّهم يتربّصون بالمسلمين أن يقتلوا ، ويغفلون عن احتمال أن ينصروا فكان المعنى : لا تتربّصون بنا إلا أن نقتل أو نغلب وذلك إحدى الحسنين.
والتربص : انتظار حصول شيء مرغوب حصوله ، وأكثر استعماله. أن يكون انتظار حصول شيء لغير المنتظر (بكسر الظاء) ولذلك كثرت تعدية فعل التربّص بالباء لأن المتربّص ينتظر شيئا مصاحبا لآخر هو الذي لأجله الانتظار. وأمّا قوله : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨] فقد نزلت (بِأَنْفُسِهِنَ) منزلة المغاير للمبالغة في وجوب التربّص ، ولذلك قال في «الكشّاف» : «في ذكر الأنفس تهييج لهن على التربّص وزيادة بعث». وقد تقدم ذلك هنالك ، وأمّا قوله : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [البقرة : ٢٢٦] فهو على أصل الاستعمال لأنّه تربّص بأزواجهم.
وجملة (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ) معطوفة على جملة الاستفهام عطف الخبر على الإنشاء: بل على خبر في صورة الإنشاء ، فهي من مقول القول وليس فيها معنى الاستفهام. والمعنى : وجود البون بين الفريقين في عاقبة الحرب في حالي الغلبة والهزيمة.
وجعلت جملة (وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ) اسمية فلم يقل ونتربّص بكم بخلاف الجملة المعطوف عليها : لإفادة تقوية التربّص ، وكناية عن تقوية حصول المتربّص لأن تقوية التربّص تفيد قوة الرجاء في حصول المتربّص فتفيد قوّة حصوله وهو المكنّى عنه.
وتفرّع على جملة (هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا) جملة (فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) لأنّه إذا كان تربّص كلّ من الفريقين مسفرا عن إحدى الحالتين المذكورتين كان فريق المؤمنين أرضى الفريقين بالمتربّصين لأنّ فيهما نفعه وضرّ عدوّه.
والأمر في قوله : (فَتَرَبَّصُوا) للتحضيض المجازي المفيد قلّة الاكتراث بتربّصهم كقول طريف بن تميم العنبري :
فتوسّموني إنّني أنا ذلكم |
|
شاكي سلاحي في الحوادث معلم |
وجملة (إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ) تهديد للمخاطبين والمعية هنا : معية في التّربص ، أو في زمانه ، وفصلت هذه الجملة عن التي قبلها لأنّها كالعلّة للحضّ.