إمّا أن تكون (لا) نافية ويكون جزم الفعل بعدها لكونه معطوفا على فعل الأمر فإن فعل الأمر مجزوم بلام الأمر المقدرة على التحقيق وهو مذهب الكوفيين واختاره الأخفش من البصريين ، وابن هشام الأنصاري وأبو علي بن الأحوص ، شيخ أبي حيّان ، وهو الحقّ لأنّه لو كان مبنيا للزم حالة واحدة ، ولأنّ أحوال آخره جارية على أحوال علامات الجزم فلا يبعد أن يكون ذلك التقدير ملاحظا في كلامهم فيعطف عليه بالجزم على التوهّم.
ولا يصح كون هذا من عطف الجمل لأنّه لا وجه لجزم الفعل لو كان كذلك ، لا سيما والأمر مؤول بالخبر ، ثم إنّ ما أفاده حرف التخيير قد دلّ على تخيير المخاطب في أحد الأمرين مع انتفاء الفائدة على كليهما.
وإمّا أن تكون صيغة النهي استعملت لمعنى التسوية لأنّها قارنت الأمر الدالّ على إرادة التسوية ويكون المعنى : أمرك بالاستغفار لهم ونهيك عنه سواء ، وذلك كناية عن كون الآمر والناهي ليس بمغيّر مراده فيهم سواء فعل المأمور أو فعل المنهي ويجوز أن يكون الفعلان معمولين لفعل قول محذوف. والتقدير : نقول لك : استغفر لهم ، أو نقول لا تستغفر لهم.
و (سَبْعِينَ مَرَّةً) غير مراد به المقدار من العدد بل هذا الاسم من أسماء العدد التي تستعمل في معنى الكثرة. قال «الكشاف» : «السبعون جار مجرى المثل في كلامهم للتكثر». ويدل له قول النبي صلىاللهعليهوسلم «لو أعلم أنّي لو زدت على السبعين غفر له لزدت». وهو ما رواه البخاري والترمذي من حديث عمر بن الخطاب. وأمّا ما رواه البخاري من حديث أنس بن عياض وأبي أسامة عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنّ النبيصلىاللهعليهوسلم قال : «وسأزيد على السبعين» فهو توهم من الراوي لمنافاته رواية عمر بن الخطاب ، ورواية عمر أرجح لأنّه صاحب القصّة ، ولأنّ تلك الزيادة لم ترو من حديث يحيى بن سعيد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر عند الترمذي وابن ماجة والنسائي.
وانتصب (سَبْعِينَ مَرَّةً) على المفعولية المطلقة لبيان العدد. وتقدّم الكلام على لفظ مرّة عند قوله تعالى : (وَهُمْ بَدَؤُكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) في هذه السورة [١٣].
وضمائر الغيبة راجعة إلى المنافقين الذين علم الله نفاقهم وأعلم نبيئه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بهم. وكان المسلمون يحسبونهم مسلمين اغترارا بظاهر حالهم. وكان النبيصلىاللهعليهوسلم يجري عليهم أحكام ظاهر حالهم بين عامّة المسلمين ، والقرآن ينعتهم بسيماهم كيلا يطمئنّ لهم المسلمون وليأخذوا الحذر منهم ، فبذلك قضي حقّ المصالح كلّها.