أن السابقين أصحاب العقبتين ، وذلك يخص الأنصار. وعن الجبائي : أن السابقين من أسلموا قبل هجرة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة. ولعله اختيار منه إذ لم يسنده إلى قائل.
واختار ابن عطية أن السابقين هم من هاجر قبل أن تنقطع الهجرة ، أي بفتح مكة ، وهذا يقصر وصف السبق على المهاجرين. ولا يلاقي قراءة الجمهور بخفض (الْأَنْصارِ). و (مِنَ) للتبعيض لا للبيان.
والأنصار : جمع نصير ، وهو الناصر. والأنصار بهذا الجمع اسم غلب على الأوس والخزرج الذين آمنوا بالنبيء صلىاللهعليهوسلم في حياته أو بعد وفاته وعلى أبنائهم إلى آخر الزمان. دعاهم النبي صلىاللهعليهوسلم بهذا الوصف ، فيطلق على أولاد المنافقين منهم الذين نشئوا في الإسلام كولد ابن صياد.
وقرأ الجمهور (وَالْأَنْصارِ) بالخفض عطفا على المهاجرين ، فيكون وصف السابقين صفة للمهاجرين والأنصار. وقرأ يعقوب (وَالْأَنْصارِ) بالرفع ، فيكون عطفا على وصف (السَّابِقُونَ) ويكون المقسّم إلى سابقين وغيرهم خصوص المهاجرين.
والمراد بالذين اتبعوهم بقية المهاجرين وبقية الأنصار اتبعوهم في الإيمان ، أي آمنوا بعد السابقين : ممن آمنوا بعد فتح مكة ومن آمنوا من المنافقين بعد مدة.
والإحسان : هو العمل الصالح. والباء للملابسة. وإنما قيد هذا الفريق خاصة لأن السابقين الأولين ما بعثهم على الإيمان إلا الإخلاص ، فهم محسنون ، وأما الذين اتبعوهم فمن بينهم من آمن اعتزازا بالمسلمين حين صاروا أكثر أهل المدينة ، فمنهم من آمن وفي إيمانه ضعف وتردد ، مثل المؤلفة قلوبهم ، فربما نزل بهم إلى النفاق وربما ارتقى بهم إلى الإيمان الكامل ، وهم المذكورون مع المنافقين في قوله تعالى : (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) [الأحزاب : ٦٠] فإذا بلغوا رتبة الإحسان دخلوا في وعد الرضى من الله وإعداد الجنات.
وجملة : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) خبر عن (السَّابِقُونَ). وتقديم المسند إليه على خبره الفعلي لقصد التقوي والتأكيد. ورضى الله عنهم عنايته بهم وإكرامه إياهم ودفاعه أعداءهم ، وأما رضاهم عنه فهو كناية عن كثرة إحسانه إليهم حتى رضيت نفوسهم لما أعطاهم ربهم.
والإعداد : التهيئة. وفيه إشعار بالعناية والكرامة. وتقدم القول في معنى جري الأنهار.