فكأنه قيل : يقبل التوبة ويتجاوز عن عباده. وكان حق تعدية فعل (يقبل) أن يكون بحرف (من). ونقل الفخر عن القاضي عبد الجبار أنه قال : لعل (عن) أبلغ لأنه ينبئ عن القبول مع تسهيل سبيله إلى التوبة التي قبلت. ولم يبين وجه ذلك ، وأحسب أنه يريد ما أشرنا إليه من تضمين معنى التجاوز.
وجيء بالخبر في صورة كلية لأن المقصود تعميم الخطاب ، فالمراد ب (عِبادِهِ) جميع الناس مؤمنهم وكافرهم لأن التوبة من الكفر هي الإيمان.
والآية دليل على قبول التوبة قطعا إذا كانت توبة صحيحة لأن الله أخبر بذلك في غير ما آية. وهذا متفق عليه بالنسبة لتوبة الكافر عن كفره لأن الأدلة بلغت مبلغ التواتر بالقول والعمل. ومختلف فيه بالنسبة لتوبة المؤمن من المعاصي لأن أدلته لا تعدو أن تكون دلالة ظواهر ؛ فقال المحققون من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين. مقبولة قطعا. ونقل عن الأشعري وهو قول المعتزلة واختاره ابن عطية وأبوه وهو الحق. وادعى الإمام في «المعالم» الإجماع عليه وهي أولى بالقبول. وقال الباقلاني وإمام الحرمين والمازري : إنما يقطع بقبول توبة طائفة غير معينة ، يعنون لأن أدلة قبول جنس التوبة على الجملة متكاثرة متواترة بلغت مبلغ القطع ولا يقطع بقبول توبة تائب بخصوصه. وكأنّ خلاف هؤلاء يرجع إلى عدم القطع بأن التائب المعين تاب توبة نصوحا. وفي هذا نظر لأن الخلاف في توبة مستوفية أركانها وشروطها. وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ)(١)(السُّوءَ بِجَهالَةٍ) الآية في سورة النساء [١٧].
والأخذ في قوله : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) [التوبة : ١٠٤] مستعمل في معنى القبول ، لظهور أن الله لا يأخذ الصدقة أخذا حقيقيا ، فهو مستعار للقبول والجزاء على الصدقة.
وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وأبو جعفر وخلف (مُرْجَوْنَ) بسكون الواو بدون همز على أنه اسم مفعول من أرجاه بالألف ، وهو مخفف أرجأه بالهمز إذا أخره ، فيقال في مضارعه المخفف : أرجيته بالياء ، كقوله : (تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَ) [الأحزاب : ٥١] بالياء ، فأصل مرجون مرجيون. وقرأ البقية (مُرْجَوْنَ) بهمز بعد الجيم على أصل الفعل كما قرئ ترجئ من تشاء [الأحزاب : ٥١]. واللام في قوله : (لِأَمْرِ اللهِ) للتعليل ، أي مؤخرون لأجل أمر الله في شأنهم. وفيه حذف مضاف ، تقديره : لأجل انتظار
__________________
(١) في المطبوعة (يعلمون) وهو خطأ.