طرأ على ذلك التحريض من بيان أحوال الناس تجاه ذلك التحريض وما عقبه من أعمال المنافقين والضعفاء والجبناء إلى بيان فضيلة الذين انتدبوا للغزو واقتحموا شدائده ، فالجملة استئناف ابتدائي.
وافتتاحها بحرف التحقيق تأكيد لمضمونها المتقرر فيما مضى من الزمان حسبما دل عليه الإتيان بالمسندات كلها أفعالا ماضية.
ومن المحسنات افتتاح هذا الكلام بما يؤذن بالبشارة لرضى الله على المؤمنين الذين غزوا تبوك.
وتقديم النبي صلىاللهعليهوسلم في تعلق فعل التوبة بالغزاة للتنويه بشأن هذه التوبة وإتيانها على جميع الذنوب إذ قد علم المسلمون كلهم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قد غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
ومعنى (تابَ) عليه : غفر له ، أي لم يؤاخذه بالذنوب سواء كان مذنبا أم لم يكنه ، كقوله تعالى : (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ) [المزمل : ٢٠] أي فغفر لكم وتجاوز عن تقصيركم وليس هنالك ذنب ولا توبة. فمعنى التوبة على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه أن الله لا يؤاخذهم بما قد يحسبون أنه يسبب مؤاخذة كقول النبيصلىاللهعليهوسلم : «لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
وأما توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا فهي استجابته لتوبتهم من ذنبهم.
والمهاجرون والأنصار : هم مجموع أهل المدينة ، وكان جيش العسرة منهم ومن غيرهم من القبائل التي حول المدينة ومكة ، ولكنهم خصوا بالثناء لأنهم لم يترددوا ولم يتثاقلوا ولا شحوا بأموالهم ، فكانوا إسوة لمن اتّسى بهم من غيرهم من القبائل.
ووصف المهاجرون والأنصار ب (الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) للإيماء إلى أن لصلة الموصول تسببا في هذه المغفرة.
ومعنى (اتَّبَعُوهُ) أطاعوه ولم يخالفوا عليه ، فالاتباع مجازي.
والساعة : الحصة من الزمن.
والعسرة : اسم العسر ، زيدت فيه التاء للمبالغة وهي الشدة. وساعة العسرة هي زمن استنفار النبي صلىاللهعليهوسلم الناس إلى غزوة تبوك. فهو الذي تقدمت الإشارة إليه بقوله : (يا أَيُّهَا