وضيق الأرض : استعارة ، أي حتى كانت الأرض كالضّيقة عليهم ، أي عندهم. وذلك التشبيه كناية عن غمهم وتنكر المسلمين لهم. فالمعنى أنهم تخيلوا الأرض في أعينهم كالضيقة كما قال الطرماح :
ملأت عليه الأرض حتى كأنها |
|
من الضيق في عينيه كفّة حابل |
وقوله : (بِما رَحُبَتْ) حال من (الْأَرْضُ). والباء للملابسة ، أي الأرض الملابسة لسعتها المعروفة. و (بِما) مصدرية.
و (رَحُبَتْ) اتسعت ، أي تخيلوا الأرض ضيقة وهي الأرض الموصوفة بسعتها المعروفة.
وضيق أنفسهم : استعارة للغم والحزن لأن الغم يكون في النفس بمنزلة الضيق. ولذلك يقال للمحزون : ضاق صدره ، وللمسرور : شرح صدره.
والظن مستعمل في اليقين والجزم ، وهو من معانيه الحقيقية. وقد تقدم عند قوله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) في سورة البقرة [٤٦] ـ وعند قوله تعالى : ـ (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) في سورة الأعراف [٦٦] ، أي وأيقنوا أن أمر التوبة عليهم موكول إلى الله دون غيره بما يوحي به إلى رسوله ، أي التجئوا إلى الله دون غيره. وهذا كناية عن أنهم تابوا إلى الله وانتظروا عفوه.
وقوله : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ) عطف على ضاقت عليهم الأرض وما بعده ، أي حتى وقع ذلك كله ثم تاب عليهم بعده.
و (ثُمَ) هنا للمهلة والتراخي الزمني وليست للتراخي الرتبي ، لأن ما بعدها ليس أرفع درجة مما قبلها بقرينة السياق ، وهو مغن عن جواب (إذا) لأنه يفيد معناه ، فهو باعتبار العطف تنهية للغاية ، وباعتبار المعطوف دال على الجواب.
واللام في (لِيَتُوبُوا) للتعليل ، أي تاب عليهم لأجل أن يكفوا عن المخالفة ويتنزهوا عن الذنب ، أي ليدوموا على التوبة ، فالفعل مستعمل في معنى الدوام على التلبس بالمصدر لا على إحداث المصدر.
وليس المراد ليذنبوا فيتوبوا ، إذ لا يناسب مقام التنويه بتوبته عليهم. وجملة (إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) تذييل مفيد للامتنان.