تكون السورة تزيد أحدا إيمانا قياسا على أحوال قلوبهم فأجيب استفهامهم بهذا التفصيل المتفرع عليه ، فأثبت أن للسورة زيادة في إيمان بعض الناس وأكثر من الزيادة ، وهو حصول البشر لهم.
وارتقي في الجواب عن مقصدهم من الإنكار بأن السورة ليست منفيا عنها زيادة في إيمان بعض الناس فقط بل الأمر أشد إذ هي زائدة في كفرهم ، فالقسم الأول المؤمنون زادتهم إيمانا وأكسبتهم بشرى فحصل من السورة لهم نفعان عظيمان ، والقسم الثاني الذين في قلوبهم مرض زادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون. فالوجه أن تكون جملة (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) معطوفة على جملة : (فَزادَتْهُمْ إِيماناً) وأن تكون جملة : (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) معطوفة على جملة : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً) لأن مضمون كلتا الجملتين مما أثرته السورة. أما جملة : (وَهُمْ كافِرُونَ) فهي حال من ضمير (ماتُوا).
وقوبل قوله : (وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) في جانب المؤمنين بقوله : (وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) في جانب المنافقين تحسينا بالازدواج ، بحيث كانت للسورة فائدتان للمؤمنين ومصيبتان على المنافقين ، فجعل موتهم على الكفر المتسبب على زيادة السورة في كفرهم بمنزلة مصيبة أخرى غير الأولى وإن كانت في الحقيقة زيادة في المصيبة الأولى.
هذا وجه نظم الآية على هذا النسج من البلاغة والبديع ، وقد أغفل فيما رأيت من التفاسير ، فمنها ما سكت عن بيانه. ومنها ما نشرت فيه معاني المفردات وترك جانب نظم الكلام.
والاستبشار : أثر البشرى في النفس ، فالسين والتاء للتأكيد مثل استعجم ، وتقدم في قوله تعالى : (يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ) في آل عمران [١٧١] ، وتقدم آنفا في قوله : (فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ) [التوبة : ١١١].
والمراد بزيادة الإيمان وبزيادة الرجس الرسوخ والتمكن من النفس.
والرجس : هنا الكفر. وأصله الشيء الخبيث. كما تقدم عند قوله تعالى : (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) في سورة العقود [٩٠]. وقوله : (كَذلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) في سورة الأنعام [١٢٥].
والمرض في القلوب تقدم في قوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) في سورة البقرة [١٠].