لغرض أهم من إزالة الإنكار.
والمجيء : مستعمل مجازا في الخطاب بالدعوة إلى الدين. شبه توجهه إليهم بالخطاب الذي لم يكونوا يترقبونه بمجيء الوافد إلى الناس من مكان آخر. وهو استعمال شائع في القرآن.
والأنفس : جمع نفس ، وهي الذات. ويضاف النفس إلى الضمير فيدل على قبيلة معاد الضمير ، أي هو معدود من ذوي نسبهم وليس عداده فيهم بحلف أو ولاء أو إلصاق.
يقال : هو قريشي من أنفسهم ، ويقال : القريشي مولاهم أو حليفهم ، فمعنى (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) من صميم نسبكم ، فتعين أن الخطاب للعرب لأن النازل بينهم القرآن يومئذ لا يعدون العرب ومن حالفهم وتولاهم مثل سلمان الفارسي وبلال الحبشي ، وفيه امتنان على العرب وتنبيه على فضيلتهم ، وفيه أيضا تعريض بتحريضهم على اتباعه وترك مناواته وأن الأجدر بهم الافتخار به والالتفاف حوله كما قال تعالى في ذكر القرآن (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف : ٤٤] أي يبقى منه لكم ذكر حسن.
والعزيز : الغالب. والعزة : الغلبة. يقال عزّه إذا غلبه. ومنه (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) [ص : ٢٣] ، فإذا عدي بعلى دل على معنى الثقل والشدة على النفس. قال بشر بن عوانة في ذكر قتله الأسد ومصارعته إياه :
فقلت له يعزّ عليّ أني |
|
قتلت مناسبي جلدا وقهرا |
و (ما) مصدرية. و (عَنِتُّمْ) : تعبتم. والعنت : التعب ، أي شاق عليه حزنكم وشقاؤكم. وهذا كقوله : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣] وذكر هذا في صفة الرسول عليهالسلام يفيد أن هذا خلق له فيكون أثر ظهوره الرفق بالأمة والحذر مما يلقي بهم إلى العذاب في الدنيا والآخرة. ومن آثار ذلك شفاعته للناس كلهم في الموقف لتعجيل الحساب. ثم إن ذلك يومئ إلى أن شرعه جاء مناسبا لخلقه فانتفى عنه الحرج والعسر قال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] وقال : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨].
والعدول عن الإتيان بلفظ العنت الذي هو المصدر الصريح إلى الإتيان بالفعل مع (ما) المصدرية السابكة للمصدر نكتة. وهي إفادة أنه قد عز عليه عنتهم الحاصل في الزمن الذي مضى ، وذلك بما لقوه من قتل قومهم ، ومن الأسر في الغزوات ، ومن قوارع الوعيد