والتهديد في القرآن. فلو أتي بالمصدر لم يكن مشيرا إلى عنت معيّن ولا إلى عنت وقع لأن المصدر لا زمان له بل كان محتملا أن يعز عليه بأن يجنبهم إياه ، ولكن مجيء المصدر منسبكا من الفعل الماضي يجعله مصدرا مقيدا بالحصول في الماضي ، ألا ترى أنك تقدره هكذا : عزيز عليه عنتكم الحاصل في ما مضى لتكون هذه الآية تنبيها على أن ما لقوه من الشدة إنما هو لاستصلاح حالهم لعلهم يخفضون بعدها من غلوائهم ويرعوون عن غيهم ويشعرون بصلاح أمرهم.
والحرص : شدة الرغبة في الشيء والجشع إليه. ولما تعدى إلى ضمير المخاطبين الدال على الذوات وليست الذوات هي متعلق الحرص هنا تعين تقدير مضاف فهم من مقام التشريع ، فيقدر : على إيمانكم أو هديكم.
والرءوف : الشديد الرأفة. والرحيم : الشديد الرحمة ، لأنهما صيغتا مبالغة ، وهما يتنازعان المجرور المتعلق بهما وهو (بِالْمُؤْمِنِينَ).
والرأفة : رقة تنشأ عند حدوث ضر بالمرءوف به. يقال : رءوف رحيم. والرحمة : رقة تقتضي الإحسان للمرحوم ، بينهما عموم وخصوص مطلق ، ولذلك جمع بينهما هنا ولوازمهما مختلفة. وتقدمت الرأفة عند قوله تعالى : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) في سورة البقرة [١٤٣] والرحمة في سورة الفاتحة [٣].
وتقديم المتعلّق على عامليه المتنازعينه في قوله : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) للاهتمام بالمؤمنين في توجه صفتي رأفته ورحمته بهم. وأما رحمته بهم. وأما رحمته العامة الثابتة بقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ) [الأنبياء : ١٠٧] فهي رحمة مشوبة بشدة على غير المؤمنين فهو بالنسبة لغير المؤمنين رائف وراحم ، ولا يقال : بهم رءوف رحيم.
والفاء في قوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) للتفريع على إرسال النبي صلىاللهعليهوسلم صاحب هذه الصفات إليهم فإن صفاته المذكورة تقتضي من كل ذي عقل سليم من العرب الإيمان به واتباعه لأنه من أنفسهم ومحب لخيرهم رءوف رحيم بمن يتبعه منهم ، فتفرع عليه أنهم محقوقون بالإيمان به فإن آمنوا فذاك وإن لم يؤمنوا فإن الله حسيبه وكافيه. وقد دل الشرط على مقابله لأن (فَإِنْ تَوَلَّوْا) يدل على تقدير ضده وهو إن أذعنوا بالإيمان.
وبعد التفريع التفت الكلام من خطاب العرب إلى خطاب النبي صلىاللهعليهوسلم بما كان مقتضى الظاهر أن يخاطبوا هم به اعتمادا على قرينة حرف التفريع فقيل له : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ