والفضة الذي يخزن ، من إطلاق المصدر على المفعول كالخلق بمعنى المخلوق.
و (سَبِيلِ اللهِ) هو الجهاد الإسلامي وهو المراد هنا.
فالموصول مراد به قوم معهودون يعرفون أنّهم المراد من الوعيد ، ويعرفهم المسلمون فلذلك لم يثبت أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم أنب قوما بأعيانهم.
ومعنى (وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) انتفاء الإنفاق الواجب ، وهو الصدقات الواجبة والنفقات الواجبة : إمّا وجوبا مستمرّا كالزكاة ، وإمّا وجوبا عارضا كالنفقة في الحجّ الواجب ، والنفقة في نوائب المسلمين ممّا يدعو الناس إليه ولاة العدل.
والضمير المؤنّث في قوله : (يُنْفِقُونَها) عائد إلى الذهب والفضة.
والوعيد منوط بالكنز وعدم الإنفاق ، فليس الكنز وحده بمتوعد عليه ، وليست الآية في معرض أحكام ادّخار المال ، وفي معرض إيجاب الإنفاق ، ولا هي في تعيين سبل البرّ والمعروف التي يجب الإخراج لأجلها من المال ، ولا داعي إلى تأويل الكنز بالمال الذي لم تؤدّ زكاته حين وجوبها ، ولا إلى تأويل الإنفاق بأداء الزكاة الواجبة ، ولا إلى تأويل (سَبِيلِ اللهِ) بالصدقات الواجبة ، لأنّه ليس المراد باسم الموصول العموم بل أريد به العهد ، فلا حاجة إلى ادّعاء أنّها نسختها آية وجوب الزكاة ، فإن وجوب الزكاة سابق على وقت نزول هذه الآية.
ووقع في «الموطأ» أنّ عبد الله بن عمر سئل عن الكنز ، أي المذموم المتوعّد عليه في آية (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ) الآية ما هو؟ فقال : هو المال الذي لا تؤدّى منه الزكاة. وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من كان عنده مال لم يؤدّ زكاته مثّل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوّقه ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ ثم يقول : أنا مالك أنا كنزك» فتأويله أن ذلك بعض ماله وبعض كنزه ، أي فهو الكنز المذموم في الكتاب والسنّة وليس كلّ كنز مذموما.
وشذّ أبو ذرّ فحمل الآية على عموم الكانزين في جميع أحوال الكنز ، وعلى عموم الإنفاق ، وحمل سبيل الله على وجوه البرّ ، فقال بتحريم كنز المال ، وكأنّه تأول (وَلا يُنْفِقُونَها) على معنى ما يسمّى عطف التفسير ، أي على معنى العطف لمجرّد القرن بين اللفظين ، فكان أبو ذرّ بالشام ينهى الناس على الكنز ويقول : بشّر الكانزين بمكاو من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ، فقال له معاوية : وهو أمير الشام ، في خلافة