والسماوات معا.
وهذه الأشهر معلومة بأسمائها عند العرب ، وقد اصطلحوا على أن جعلوا ابتداء حسابها بعد موسم الحجّ ، فمبدأ السنة عندهم هو ظهور الهلال الذي بعد انتهاء الحجّ وذلك هلال المحرّم ، فلذلك كان أول السنة العربية شهر المحرم بلا شكّ ، ألا ترى قول لبيد:
حتى إذا سلخا جمادى ستة |
|
جزءا فطال صيامه وصيامها |
أراد جمادى الثانية فوصفه بستّة لأنّه الشهر السادس من السنة العربية.
وقرأ الجمهور (اثْنا عَشَرَ) بفتح شين (عَشَرَ) وقرأه أبو جعفر (اثْنا عَشَرَ) بسكون عين (عَشَرَ) مع مدّ ألف اثنا مشبعا.
والأربعة الحرم هي المعروفة عندهم : ثلاثة منها متوالية لا اختلاف فيها بين العرب وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرّم ، والرابع فرد وهو رجب عند جمهور العرب ، إلّا ربيعة فهم يجعلون الرابع رمضان ويسمّونه رجبا ، وأحسب أنّهم يصفونه بالثاني مثل ربيع وجمادى ، ولا اعتداد بهؤلاء لأنّهم شذّوا كما لم يعتدّ بالقبيلة التي كانت تحلّ أشهر السنة كلّها ، وهي قضاعة. وقد بيّن إجمال هذه الآية النبي صلىاللهعليهوسلم في خطبة حجّة الوداع بقوله : (مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) «ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان».
وتحريم هذه الأشهر الأربعة ممّا شرعه الله لإبراهيم عليهالسلام لمصلحة الناس ، وإقامة الحجّ ، كما قال تعالى : (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ) [المائدة : ٩٧].
واعلم أنّ تفضيل الأوقات والبقاع يشبه تفضيل الناس ، فتفضيل الناس بما يصدر عنهم من الأعمال الصالحة ، والأخلاق الكريمة ، وتفضيل غيرهم ممّا لا إرادة له بما يقارنه من الفضائل ، الواقعة فيه ، أو المقارنة له. فتفضيل الأوقات والبقاع إنّما يكون بجعل الله تعالى بخبر منه ، أو باطلاع على مراده ، لأنّ الله إذا فضلها جعلها مظانّ لتطلّب رضاه ، مثل كونها مظانّ إجابة الدعوات ، أو مضاعفة الحسنات ، كما قال تعالى : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر : ٣] أي من عبادة ألف شهر لمن قبلنا من الأمم ، وقال النبيصلىاللهعليهوسلم «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلّا المسجد الحرام» والله العليم