وجملة (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) خبر ثان عن النسيء أي هو ضلال مستمرّ ، لما اقتضاه الفعل المضارع من التجدّد.
وجملة (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) بيان لسبب كونه ضلالا.
وقد اختير المضارع لهذه الأفعال لدلالته على التجدّد والاستمرار ، أي هم في ضلال متجدّد مستمرّ بتجدّد سببه ، وهو تحليله تارة وتحريمه أخرى ، ومواطأة عدّة ما حرم الله.
وإسناد الضلال إلى الذين كفروا يقتضي أنّ النسيء كان عمله مطّردا بين جميع المشركين من العرب فما وقع في «تفسير الطبري» عن ابن عباس والضحّاك من قولهما وكانت هوازن وغطفان وبنو سليم يفعلونه ويعظمونه ليس معناه اختصاصهم بالنسيء ولكنّهم ابتدءوا بمتابعته.
وقرأ الجمهور (يُضَلُ) ـ بفتح التحتية ـ وقرأه حفص عن عاصم ، وحمزة ، والكسائي وخلف ، ويعقوب ـ بضمّ التحتية ـ على أنّهم يضلّون غيرهم.
والتنكير والوحدة في قوله : (عاماً) في الموضعين للنوعية ، أي يحلّونه في بعض الأعوام ويحرّمونه في بعض الأعوام ، فهو كالوحدة في قول الشاعر :
يوما بحزوى ويوما بالعقيق
وليس المراد أنّ ذلك يوما غبّ يوم ، فكذلك في الآية ليس المراد أنّ النسيء يقع عاما غبّ عام كما ظنّه بعض المفسّرين. ونظيره قول أبي الطيّب :
فيوما بخيل تطرد الروم عنهم |
|
ويوما بجود تطرد الفقر والجدبا |
(يريد تارة تدفع عنهم العدوّ وتارة تدفع عنهم الفقر والجدب) وإنّما يكون ذلك حين حلول العدوّ بهم وإصابة الفقر والجدب بلادهم ، ولذلك فسّره المعري في كتاب «معجز أحمد» بأن قال : «فإنّ قصدهم الروم طردتهم بخيلك وإن نازلهم فقر وجدب كشفته عنهم بجودك وإفضالك».
وقد أبقي الكلام مجملا لعدم تعلّق الغرض في هذا المقام ببيان كيفية عمل النسيء ، ولعلّ لهم فيه كيفيات مختلفة هي معروفة عند السامعين.
ومحلّ الذمّ هو ما يحصل في عمل النسيء من تغيير أوقات الحجّ المعيّنة من الله في غير أيامها في سنين كثيرة ، ومن تغيير حرمة بعض الأشهر الحرم في سنين كثيرة ويتعلّق