قوله : (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) بقوله : (يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً) أي يفعلون ذلك ليوافقوا عدد الأشهر الحرم فتبقى أربعة.
والموطأة الموافقة ، وهي مفاعلة عن الوطء شبه التماثل في المقدار وفي الفعل بالتوافق [في] وطئ الأرجل ومن هذا قولهم (وقوع الحافر على الحافر).
و (عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) هي عدّة الأشهر الحرم الأربعة.
وظاهر هذا أنّه تأويل عنهم وضرب من المعذرة ، فلا يناسب عده في سياق التشنيع بعملهم والتوبيخ لهم ، ولكن ذكره ليرتّب عليه قوله : (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) فإنّه يتفرّع على محاولتهم موافقة عدّة ما حرم الله أن يحلّوا ما حرّم الله ، وهذا نداء على فساد دينهم واضطرابه فإنّهم يحتفظون بعدد الأشهر الحرم الذي ليس له مزيد أثر في الدين ، وإنّما هو عدد تابع لتعيين الأشهر الحرم ، ويفرّطون في نفس الحرمة فيحلون الشهر الحرام ، ثم يزيدون باطلا آخر فيحرّمون الشهر الحلال. فقد احتفظوا بالعدد وأفسدوا المعدود.
وتوجيه عطف (فَيُحِلُّوا) على مجرور لام التعليل في قوله : (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) هو تنزيل الأمر المترتّب على العلّة منزلة المقصود من التعليل وإن لم يكن قصد صاحبه به التعليل ، على طريقة التهكّم والتخطئة مثل قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨].
والإتيان بالموصول في قوله : (عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) دون أن يعبّر بنحو عدة الأشهر الحرم ، للإشارة إلى تعليل عملهم في اعتقادهم بأنّهم حافظوا على عدة الأشهر التي حرّمها الله تعظيما. ففيه تعريض بالتهكّم بهم.
والإظهار في قوله : (فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللهُ) دون أن يقال فيحلوه ، لزيادة التصريح بتسجيل شناعة عملهم ، وهو مخالفتهم أمر الله تعالى وإبطالهم حرمة بعض الأشهر الحرم ، تلك الحرمة التي لأجلها زعموا أنّهم يحرّمون بعض الأشهر الحلال حفاظا على عدّة الأشهر التي حرّمها الله تعالى.
وجملة (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ) مستأنفة استئنافا بيانيا : لأنّ ما حكي من اضطراب حالهم يثير سؤال السائلين عن سبب هذا الضغث من الضلال الذي تملئوه فقيل : لأنّهم زيّن لهم سوء أعمالهم ، أي لأنّ الشيطان زيّن لهم سوء أعمالهم فحسّن لهم القبيح.
والتزيين التحسين ، أي جعل شيء زينا ، وهو إذا يسند إلى ما لا تتغيّر حقيقته فلا