والضمير المنصوب ب (تَنْصُرُوهُ) عائد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، وإن لم يتقدّم له ذكر ، لأنّه واضح من المقام.
وجملة (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) جواب للشرط ، جعلت جوابا له لأنّها دليل على معنى الجواب المقدّر لكونها في معنى العلّة للجواب المحذوف : فإنّ مضمون (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) قد حصل في الماضي فلا يكون جوابا للشرط الموضوع للمستقبل ، فالتقدير : إن لا تنصروه فهو غني عن نصرتكم بنصر الله إيّاه إذ قد نصره في حين لم يكن معه إلا واحد لا يكون به نصر فكما نصره يومئذ ينصره حين لا تنصرونه. وسيجيء في الكلام بيان هذا النصر بقوله : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) الآية.
ويتعلّق (إِذْ أَخْرَجَهُ) ب (نَصَرَهُ) أي زمن إخراج الكفار إيّاه ، أي من مكة ، والمراد خروجه مهاجرا. وأسند الإخراج إلى الذين كفروا لأنّهم تسببوا فيه بأن دبّروا لخروجه غير مرّة كما قال تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ) [الأنفال: ٣٠] ، وبأن آذوه وضايقوه في الدعوة إلى الدين ، وضايقوا المسلمين بالأذى والمقاطعة ، فتوفّرت أسباب خروجه ولكنّهم كانوا مع ذلك يتردّدون في تمكينه من الخروج خشية أن يظهر أمر الإسلام بين ظهراني قوم آخرين ، فلذلك كانوا في آخر الأمر مصمّمين على منعه من الخروج ، وأقاموا عليه من يرقبه وحاولوا الإرسال وراءه ليردّوه إليهم ، وجعلوا لمن يظفر به جزاء جزلا ، كما جاء في حديث سراقة بن جعشم.
كتب في المصاحف (إِلَّا) من قوله : (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) بهمزة بعدها لام ألف ، على كيفية النطق بها مدغمة ، والقياس أن تكتب (إن لا) ـ بهمزة فنون فلام ألف ـ لأنّهما حرفان : (إن) الشرطية و (لا) النافية ، ولكنّ رسم المصحف سنّة متبعة ، ولم تكن للرسم في القرن الأول قواعد متّفق عليها ، ومثل ذلك كتب (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ) في سورة الأنفال [٧٣]. وهم كتبوا قوله : (بَلْ رانَ) في سورة المطففين [١٤] بلام بعد الباء وراء بعدها ، ولم يكتبوها بباء وراء مشدّدة بعدها.
وقد أثار رسم (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) بهذه الصورة في المصحف خشية توهّم متوهّم أنّ (إِلَّا) هي حرف الاستثناء فقال ابن هشام في «مغني اللبيب» : «تنبيه ليس من أقسام (إلّا) ، (إلّا) التي في نحو (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) وإنّما هذه كلمتان (إن) الشرطية و (لا) النافية ، ومن العجب أن ابن مالك على إمامته ذكرها في «شرح التسهيل» من أقسام إلّا ، ولم يتبعه الدماميني في شروحه الثلاثة على «المغني» ولا الشمني. وقال الشيخ محمد