بأوامره ونواهيه ... وكان النداء الأول موجها إلى موسى باعتباره النبي الأصيل ، بينما كان هارون نبيا في موقع الوزارة له ..
(اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي) التي أنزلت عليك قسما منها وستتلوها الآيات الأخرى ، (وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) أي لا يعتركما الفتور والوهن في ذكري ، في ما يمثله ذكر الله من الدعوة إلى الإيمان في خط الصراط المستقيم الذي يقود عباده المؤمنين إليه ، وفي ما يوحيه في وعيهما الفكري والروحي ، ليستمدا منه القوة على مواصلة الجهد ، وتحمل الصعوبات ، وليراقباه في كل موقف من مواقف المسيرة التي تدفع للقلق وللاهتزاز في مواقع الزلزال النفسي والعملي.
وهذا هو ما يحتاجه كل داعية في مسيرة الدعوة إلى الله ، على مستوى الجهاد الفكري ، أو على صعيد الجهاد العملي الحركي وذلك بأن ينفتح على الله في عمق فكره وشعوره ، ليبقى مرتبطا بالهدف الذي يتحرك نحوه وهو رضا الله ، لأن الاستغراق في العمل الحركي قد يجعل الإنسان مشدودا إليه بحيث ينسى الغاية في حركة الوسيلة ، وربما انحرف عن بعض خصوصيات المسؤوليات الشرعية في الممارسات العملية في نظرته الذاتية إلى طبيعة العمل والعلاقات ، ولكي لا تتحول حركة الدعوة إلى حالة صنمية في الوعي الحزبي أو الطائفي ، في الدائرة الفكرية أو الشعورية.
(اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) فادّعى الربوبية لنفسه ، واستعبد الناس ، ومضى يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ، ويعيث في الأرض فسادا هو وحاشيته المنحرفة الطاغية. ولما كان هذا الطغيان ناشئا من الجهل بحقائق الأمور في ما ينبغي للإنسان أن يحمله من فكر ، أو يعتنقه من عقيدة ، ومن الغفلة عن الإيمان بالله الواحد القادر الحكيم الخالق الذي هو مالك السماوات والأرض ، ومالك الموت والحياة ، الذي يجعل الإنسان مستغرقا في ذاته ، وفي عناصر القوة الذاتية ، وفي مظاهر العظمة المادية المحيطة به ، فيتعاظم في درجات الغرور