وَتَوَلَّى) إن ربك الذي خلقك والذي يملك حياتك وموتك قد أوحى إلينا أن مسألة التمرد على خط الرسالة ليست مسألة هامشية في حياة الإنسان المتمرد ليأخذ حريته فيها من دون أن يواجه أية نتائج سلبية على مستوى حياته الشخصية في موضوع المصير ، بل هي مسألة خطرة يواجه فيها عذاب الآخرة جزاء تكذيبه بالرسالة والرسول بعد قيام الحجة عليه ، وعقوبة على إعراضه عن السير في الاتجاه الإيجابي للإيمان ، بعد فقدانه للعذر المبرر له. وفي ضوء ذلك لا بد لك أن تحدد موقفك في الإسلام لله من خلال الرسالة ، هل تصدق أو تكذب؟ هل تستجيب أو تعرض؟ لتحدد مصيرك على هذا الأساس ..
وقد يتساءل الإنسان القارئ لهذه الآيات هل هذا الكلام هو من القول اللين ، أو هو من القول الخشن؟ ويتابع بأن تفسير الآيات بهذه الطريقة التي توحي بالتهديد أو بالقوة لا تتناسب مع الأسلوب الليّن.
ويجاب عن ذلك ، أن لين الكلام لا يعني الابتعاد عن الخط الأصيل في الدعوة للفكرة ، بل يعني مواجهة الإنسان بالفكرة بالطريقة التي لا تثير حساسيته وعدوانيته ، وذلك بالأسلوب التي جرت عليه هذه الآيات في إثارة المسألة بطريقة اللمحة واللفتة ، لا بطريقة المواجهة المباشرة ، مما يفسح المجال للمخاطب ألا يعتبر نفسه معنيا بالمسألة ، لأن القضية كانت مطروحة في نطاق العموميات التي لا تسبب الإحراج المباشر لقائلها وسامعها ..
وهذا هو معنى القول اللين ، ألا تتنازل عن الفكرة بكل عناصرها الحية ، ولكن بشرط أن تعالجها بالأسلوب الذي يجعلها تدخل الفكر والروح والشعور من باب واسع.
* * *