والمربوبية بينهم. ولكن كيف ينسبانه إليه ، وهو لا يعرفه ولا يعترف به؟ فليتجاهل هذه النسبة ، وليسألهما عن طبيعته ، فلعل المعرفة الحاصلة ، بالجواب ، توحي إليه ببعض الأفكار التي تدفعه إلى موقف إيجابيّ أو سلبيّ في المسألة.
(قالَ فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى) وكان الخطاب لموسى ، لأنه هو الشخص الأصيل في الموقف في ما تصوره فرعون من دراسة المسألة ، وفي ما هو الواقع. (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) فهو الذي أوجد كل شيء ثم لم يهمله ليتركه ضائعا ، بل منحه الهدى الذي يتدخل في عمق وجوده وتكوينه فينظم له حركة نموه وتكامله ووصوله إلى الغاية المطلوبة لوجوده. وبهذا كانت ربوبيته للخلق منطلقة من طبيعة الإيجاد الذي يمنح الموجودات الحياة ، ومن الإشراف الدائم والرعاية الكاملة لها في رحلة الوجود مما يوحي بالربوبية الشاملة الكاملة التي لا تغيب عن الوجود في أية لحظة ، كما لا يغيب عنها الوجود في أي وقت لاحتياجها الدائم إلى غناها المطلق. وهكذا قد نجد الهدى قائما في الأشياء بذاتها عبر قوانينها الكونية المودعة فيها ، وقد نجده في العقل الكامن في الإنسان الذي يدبر الوجود بشكل مباشر وبوعي اختياري مباشر.
(قالَ فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى) ربما كان السؤال عن القرون الأولى ، في نطاق السؤال عن أمر المعاد ، الذي هرب إليه فرعون ، بعد أن أعياه مواجهة أمر الربوبية في ما فصله موسى من الحديث عنها بما لا مجال فيه للرد والاعتراض ، فكأنه قال لموسى ، ما حال الأمم والأجيال الماضية الذين لا يرون ما ترى ، وقد ماتوا وانتهوا في عالم الفناء والنسيان ، فكيف يعذبون ، كما تقول ، إن العذاب على ما أدبر وتولى ، وكيف يواجهون المسؤولية ، فكيف يرجعون من جديد لينالوا ما يستحقون ، كما تزعم.