خلالها ، أن يبني المجتمع المؤمن الذي يصنع على عين الله ووحيه ، فكيف حدث كل هذا الانحراف وبهذه السرعة؟ وكيف استسلموا للضلال؟ وأين كان هارون؟ إنه يعيش الآن روح الغضب ، ومرارة الحزن ، وها هو يواجههم بالتأنيب والنقد اللاذع ، (قالَ يا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً) في ما أراده بكم من رحمته بإنزال التوراة التي فيها الخير والهدى والنور والشريعة الجديدة التي تنظم لكم أمركم ، وتدفعكم إلى الخير كله في طريق الله؟ لقد كنت معكم عن قريب ولم يبدر منكم ما يشير إلى ما أنتم عليه الآن ، (أَفَطالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ) في غيابي عنكم حتى نسيتم المواثيق والعهود التي أكدتها عليكم في ما أكدته من عهد الإيمان وميثاقه ، في الإخلاص لله سبحانه ، وفي توحيده في العقيدة والعبادة؟ إن غيابي عنكم لم يكن طويلا ، (أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ) فانحرفتم عن خط الاستقامة من دون مراعاة لحركة العقيدة في حياتكم الفكرية والعملية ، وفي موقفكم من ربكم. فهل كنتم تستنزلون غضب ربكم بذلك من دون خوف ولا وجل؟ (فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي) في ما كان يتمثل فيه موقفكم الروحي من الوعد العملي ، بأن تحسنوا خلافتي في هذا الخط الإيماني الذي عشنا الحياة كلها والجهد كله من أجل أن نلتزمه ونسير عليه ، وفي ما يعينه موقع القيادة في حركة القاعدة والنبوة في روحية المؤمنين.
(قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا) في ما نملكه من أمرنا ، أو بما صرفناه من أموالنا ، لأننا كنا مشدودين إلى حالة الإغراء الذي هيأه هذا الرجل من خلال الأجواء النفسية التي استغل فيها جو الغفلة الذي نعيشه ، أضف إلى ذلك الرواسب التي تستيقظ في نفوسنا فتترك تأثيراتها على حركة الإنسان بطريقة لا شعورية ، (وَلكِنَّا حُمِّلْنا أَوْزاراً) أي أثقالا ، (مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ) وربما كان المراد به قوم فرعون في ما تركوه من زينة ذهبية ، (فَقَذَفْناها) في النار ، (فَكَذلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُ) ما عنده كما ألقينا ما عندنا ، أو أنه ألقى ما عندنا في النار ليحوله بطريقة معينة إلى تمثال ذهبي مثير ، (فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) فهو لا