حملتنا معا مما جعل العلاقة بيننا أعمق من أية علاقة أخرى ، وأسترحمك أن تهدأ وأن تبرد غضبك الذي دعاك إلى أن تتصرف معي بقسوة ، فتأخذ بلحيتي وبرأسي لتشدهما بغير رحمة. وأريد منك أن تستمع لي بهدوء.
لم يكن الأسلوب الذي اتبعته ناشئا من موقف ضعف ، أو مخالفة للتعليمات ، بل كان ناشئا من دراسة هادئة للموقف. فقد كان الجو المسيطر على الساحة انفعاليا ، وقد كان بحاجة إلى شخصية تفرض نفسها على القوم من موقع قوة تمارس تأثيرها عليهم ، بعيدا عن طبيعة الأسلوب الذي تتبعه معهم. فهي التي يمكن أن تفرض نفسها على الجميع بقوة ، وهذا ما تملكه أنت ، في موقعك عندهم ، لأنك الذي هزمت فرعون أمامهم وحررتهم من العبودية له ، مما جعلك عندهم في مواقع القوة العليا ، بالإضافة إلى صفتك الرسالية ، أما أنا فلا أملك أمامهم ما تملكه ، ولذلك فقد يكون تدخلي العنيف موجبا لانقسام القوم بين مؤيد ومعارض ، مما يوجب اختلال العلاقات في ما بينهم ، وإفساد الواقع الاجتماعي الذي قد يتحول إلى قتال. وقد فهمت من كلامك أنك تريد مني أن أصلح بينهم ، ولهذا فقد أعلنت الموقف ، وتركت الحل الحاسم لك عند ما تعود ، لتعالج المسألة من موقع الوحدة لا من موقع الخلاف.
(إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) في جمع شملهم وتوحيد كلمتهم. وقد استوعب موسى حديث هارون معه في تبرير موقفه في ما نستوحيه من الآية الكريمة : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأعراف : ١٥١].
* * *