من شؤون السماء والأرض. وذلك كله كناية عن الإحاطة الكاملة التي توحي إليهم بأن يخلصوا له القول فلا يقولون ما لا يعتقدون ، ويخلصوا له العمل فلا يضمرون غير ما يظهرون في دوافعه ومقاصده.
(وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ) .. في خشوع الموقف ، وانسحاق الذات ، وانحناء الإرادة التي تتطلع برهبة وخضوع ومحبة إنها الوجوه التي تعبر ملامحها عن عمق النفوس الكامنة خلفها ، اللاهثة أبدا من أجل الفوز برضا الله ، المتسامية نحو الدرجات العليا من فيوضات الله الحيّ الذي يمنح الأجساد الفانية نبضا من حياة ، وهو القادر على أن يمنع عنها الحياة ، الحيّ المطلق الذي لا حدّ لحياته ، لأنها ينبوع ذاته المقدسة التي تفيض عنها كل حياة ، القيّوم المهيمن على كل شيء القائم على كل أمر ، المشرف على الكون والحياة والإنسان.
(وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً) لنفسه بالكفر والمعصية ، ولغيره بالقهر والغلبة والعدوان ... فهو الذي لا يلتقي بالفوز في النعيم الإلهي ، لأن الله هو العدل الذي يحب العادلين الذين يحملون العدل عنوانا لفكرهم وحركة لحياتهم ، ومنطلقا لأهدافهم ، ويكره الظالمين الذين يملأون الحياة ظلما ، في الفكر والحركة والإنسان. فلن يفلح الظالمون في ساحة الله يوم لا ساحة إلّا ساحته.
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) بأن يرتكز الإيمان في خطه العملي على قاعدة فكرية في حركته الفكرية والروحية ، فيتزاوج العمل والإيمان في شخصية الإنسان ليتحولا إلى حركة المسؤولية وفاعليتها في الحياة ، إن هذا النموذج الإنساني هو النموذج الآمن المنفتح في الدار الآخرة ، (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) لأن الدار الآخرة هي دار العدل كما جاء في آية أخرى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) [غافر : ١٧] ، ولأن الله لا ينقص حق أحد في ما يستحقه من الحسنات ، فهو القائل : (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ