[الإسراء : ١٤] ، أن هناك بصرا في يوم القيامة. ثم كيف يأتي هذا الكلام من الإنسان الذي كان بصيرا في الدنيا؟ وربما يوجه ذلك بأن «من الظاهر المسلم به من الكتاب والسنة أن النظام الحاكم في الآخرة غير النظام الحاكم لها في الدنيا الذي نألفه في الطبيعة ، وكون البصير مبصرا لكل مبصر ، والأعمى غير مدرك لكل ما من شأنه أن يرى كما هو المشهود في النظام الدنيوي ، لا دليل على عمومه للنظام الأخروي ، فمن الجائز أن يتبعض الأمر هناك ، فيكون المجرم أعمى لا يبصر ما فيه سعادة حياته وفلاحه وفوزه بالكرامة ، وهو يشاهد ما يتم به الحجة عليه وما يفزعه من أهوال القيامة ، وما يشتد به العذاب عليه من النار وغيرها» (١).
ولكننا نتحفظ على هذا التوجيه لأن الظاهر من النص القرآني أنه يتوجه إلى الناس بما يفهمونه من معاني الكلمات ، بالصورة المألوفة لديهم في تصورهم للأشياء ولذلك فإن التبعيض في مسائل العمى والبصر بحسب اختلاف النظام الأخروي عن النظام الدنيوي ، لا يدل عليه شيء ، إن لم يكن الدليل على خلافه ، كما ألمحنا إليه. أما ما نرجحه في المسألة ، فهو أن التعبير وارد على سبيل المجاز من ناحية العمى والبصر القلبيين اللذين يتصلان بمنطقة الوعي الفكري للإنسان لا بمنطقة الرؤية الحسية. وليس هذا التعبير بعيدا عن الأسلوب القرآني ، فقد جاء في قوله تعالى : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦] ، مما يوحي بأن العمى الفكري والروحي ملحوظ في القرآن ، بل هو الأبرز في أجواء الحديث عن الكافرين الذين يعتبرهم لا ينفتحون على الطاقات الحسية من السمع والبصر بشكل واع ، فإن لهم عيونا لا يبصرون بها ، ولهم آذانا لا يسمعون بها ، كما أنهم لا ينفتحون على الطاقة الفكرية التي يملكونها ، فإن لهم قلوبا لا يعقلون بها. ولعل الدليل
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٤ ، ص : ٢٢٦.