بالقلق والحسرة إذا لم يحصل عليه ، فإذا تحقق له ذلك انتقل إلى شيء آخر ، فهو محاصر بحاجاته وتمنياته في ما يخلد فيه إلى الأرض ، فلا يتجاوزها إلى الآفاق الرحبة التي ينطلق فيها إلى الله سبحانه ، ولذلك فإنه يبقى مختنقا بالآفاق الضيقة ، والأجواء الخانقة التي ، مهما اتّسعت ، فإنها تظل في دائرة محدودة تضيق به ، فلا تمنحه الإحساس الغامر بالسعادة التي لن تحصل للإنسان إلّا بالإشباع الروحي. حتى المادة التي يغذي بها حاجاته الجسدية ، لا تعطيه اللذة إلّا إذا ارتفع بها إلى أجواء الروح فأعطاها شيئا من الروحية في النية والجو والحركة. ومهما امتدت به هذه الحياة الدنيا ، ومهما أعطته من مباهجها ، فإنها محدودة بالموت الذي يلغى ويفسد كل شيء فيها.
قد يكون هذا المعنى هو الذي أثارته الآية في ما تريده من المعيشة الضنك التي تدخل في حسابات الجانب الروحي من العيش ، وقد يكون هناك وجه آخر يذكره المفسرون ، في ما قال بعضهم أنه عذاب القبر ، ولكن الظاهر أن الآية واردة في مقابل معيشة المؤمن الذي يتبع هدى الله في ما تشتمل عليه من خصائص في الحياة الدنيا ، لا في ما بعدها ، وقال بعضهم : إنه عذاب النار ولكن ذلك غير ظاهر ، لأنه جعل الحشر يوم القيامة تاليا له ، والمفروض أن عذاب النار متأخّر عن الحشر.
(وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) لا يهتدي الطريق إلى الجنة ، لأن الطريق مسدود أمامه ، بما وضعه من حواجز أمام نفسه في طريق الوصول إليها من خلال أعماله ..
(قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) ربما يظهر من هذه الآية أن العمى هنا هو عمى الحس بدليل مقارنة الإنسان له بالبصر في الدنيا ، فيأتي بذلك الاعتراض بأن الظاهر من الآيات التي تتحدث عن يوم القيامة ، كقوله تعالى : (رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا) [السجدة : ١٢] ، وقوله تعالى (اقْرَأْ كِتابَكَ)