سعادتك في الآخرة في ما يقرر لك سعادتك في مصيرك ، فتطلع إليه ، فهو الأفضل والأبقى ، ولا تتطلع إلى غيره ، وحاول أن تشغل نفسك بمسؤوليتك في ما أوكل الله إليك أمره من مسئوليات.
هل هذا دعوة إلى الابتعاد عن الحياة ، لتكون من آيات الزهد العملي الذي ينصرف فيه الإنسان عن مباهج الحياة وطيباتها وزخارفها؟ أو هي دعوة للتوازن في النظرة إليها ، فلا يستغرق فيها ، ولا يتحسر عليها ، لما يحقق التوازن في التعاطي معها بالمقادير المناسبة ودون مغالاة أو مبالغة. إننا نفهم من الآية المعنى الثاني الذي يريد للإنسان أن يقنع بما رزقه الله ، وألّا يعيش الانبهار الذي يسقط روحه ، ويثقل فكره ، والله العالم.
(وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) لأنها هي التي تعرج بك إلى الله ، فتصفي لك روحك ، وتطهر قلبك ، وتفتحه على الخير كله ، وهي التي توحي لك بكل المعاني الطاهرة ، والقيم الروحية ، والأخلاق العالية ، لتكون ملهمة للتسامي الروحي ، والتركيز العملي. ولذلك فإن الإنسان المؤمن هو الذي يعمل كي يكون مجتمعة الأقرب إليه ، مجتمع صلاة يتعبّد فيها لله ، ويخلص فيها له ، ويقترب فيها منه بروحه وقلبه وضميره ، ليكون المجتمع الذي يراقب الله في سره ويتقيه في علانيته ، لأن ذلك ما يحقق له التوازن في العلاقات المنفتحة على الله من موقع المسؤولية ، وعلى الإنسان من موقع الرحمة ، وفي المعاملات الخاضعة للشروط الشرعية في ما يحل منها وفي ما يحرم ، وفي الكلمات المسؤولة التي تعرف من أين تبدأ وإلى أين تنتهي في ما يصلح أمر الحياة من شؤون المعرفة والحركة. ثم الأمر بالاصطبار عليها في نفسه ، في ما تحتاجه إلى وعي للموقف فيها ، وللخشوع معها ، ولاستلهام معانيها في أقوالها وأفعالها ، فلا يسرع فيها إسراع من يريد أن يفرغ منها ، من دون أن يستوعب دروسها ، ولا يهملها في أوقاتها ومواقعها ، لأنها هي الأساس الذي يرتكز عليه امتداد العمل في سائر جوانب الحياة ، لأنها تشير إلى العمق الأعمق في