(وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) فقد كانوا يمارسون كل خصوصيات البشر في وجودهم الجسدي المادي الذي يحتاج إلى الطعام والشراب ، فيفنى عند ما يصل إلى نهايته الطبيعية كما يفنى أي جسد آخر ، من دون أية خصوصية تربطه بالخلود.
(ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ) في ما وعدنا هم به من النصر على هؤلاء المتمردين ، ومن النجاة منهم ومما يحل بهم من عذاب ، (فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ) من المؤمنين الذين اتبعوهم بإحسان ، ونصروهم بقوة ، وواجهوا أهلهم بصلابة ، وتحملوا الاضطهاد بإرادة مؤمنة قوية ، (وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ) الذين أسرفوا على أنفسهم وتجاوزوا حدود المعقول في ما يضمن النجاة للناس في الدنيا والآخرة ، فلم يلتزموا بالإيمان الذي قامت به الحجة عليهم من الله ، ولم يستجيبوا لنداء الله ، بل اختاروا الكفر والانحراف الذي لا يستجيب لأي موقع قوة من مصلحة الإنسان. وهكذا حقّت عليهم كلمة العذاب من الله ، فأهلكهم وعذبهم بمختلف ألوان العذاب في الدنيا قبل الآخرة.
(لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) الذي يفتح قلوبكم على الحق من أوسع أبوابه ، ويرفع منزلتكم العقلية وموقعكم القيادي في الأمة ، بما يتضمنه من المعارف والعلوم ، وما يثيره من المفاهيم العامة التي تنفتح على مختلف خصوصيات الواقع المتحرك على أكثر من صعيد ، ويؤكد بذلك الدور المميز للأمة التي تعمل على تجسيده في الحكم والتشريع والمنهج والأسلوب والحركة. (أَفَلا تَعْقِلُونَ) وتعملون على الأخذ بأسباب النمو العقلي في حركة الفكر في مفرداته العقلية وروحيته الإيمانية الإيحائية بما يختزنه من أسرار الكون ، وآفاق الغيب والتخطيط للواقع الإنساني ، في دنياه وآخرته. وهكذا نجد القرآن يثير ـ دائما ـ أمام الإنسان أهمية العقل في بناء شخصيته ، حيث يعتبر الوحي والتجربة والتفكير منطلقات إثارة وتركيز لقوته العقلية ، باعتبار أن