التي توحي بأن الأرض خاضعة للتخطيط الدقيق في عمق الجدية الحكيمة لأسرار السّنّة الإلهية ، وبأن السماء والفضاء الذي يفصل بينها وبين الأرض ـ في ما اكتشفه الإنسان منهما ـ خاضع لمثل ذلك ، مما جعل الهاجس الذي يحسّ به العلماء والمكتشفون في ملاحظاتهم الدقيقة للظواهر ، هو البحث عمّا وراء ذلك الذي يحسون بوجوده ، بالفطرة والملاحظة ، ويعملون على معرفة كنهه.
(لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) أي مما نملك من قدرة مطلقة ، تمنح الأشياء وجودها ، (إِنْ كُنَّا فاعِلِينَ) ولكننا لم نتخذ ذلك ولم نرده ، لأننا لا نتخذ شيئا إلا من مواقع الحكمة التي تخضع لها كل أفعالنا في حركة الوجود السلبية والإيجابية. فليس الأمر ، إذا لم نفعله ، هو النقصان في القدرة ، بل الأمر ، هو ابتعاد ذلك عما يتناسب مع مقام الألوهية في حكمته وغناه وقوته التي لا ينفذ إليها شيء من الضعف.
وقد اعترض صاحب الميزان على هذا التفسير الذي تعرض صاحب الكشاف لبعض ملامحه ، «وفيه أن القدرة لا تتعلق بالمحال واللهو ـ ومعناه ما يشغلك عما يهمك بأي وجه وجّه ـ محال عليه تعالى. على أن دلالة (مِنْ لَدُنَّا) على القدرة لا تخلو من خفاء»(١).
ويمكن أن يرد ذلك ، بأن التفسير يرتكز على أساس أن الله لو أراد أن يفعله لما كان هناك أي ضعف في قدرته ، مانع من حصوله ، ولكن طبيعته لا تتناسب مع كماله وجلاله ، وبذلك يكون التعبير واردا على أسلوب الكناية ، في تصوير رفض المسألة من ناحية المبدأ بحيث لو كان ممكنا لكان مرفوضا ، وهكذا يمكن رد استبعاده لدلالة كلمة (مِنْ لَدُنَّا) على القدرة ، فإنها واردة أيضا على سبيل اختزان الكلمة للقدرة من خلال دلالتها على ما عند الذات
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٤ ، ص : ٢٦١.