بُرْهانَكُمْ) لأن العقيدة لا بد أن تخضع للحجة القاطعة التي تملك على العقل قناعاته ، فأين هو البرهان من ذات الإله وصفاته ، أمام الإله الحق الذي دل على ذاته بذاته ، وتنزّه عن مجانسة مخلوقاته.
وفي كل شيء له آية |
|
تدلّ على أنه واحد |
فإذا كان لكم برهان فقدموه .. ولكنكم لم تقدموا شيئا يدلّ على ذلك ، بل قام الدليل على خلافه ، لا سيما وأن الكتب السماوية تنفي وجود إله آخر غير الله ، وتؤكد وحدانيته ، (هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ) وهو القرآن النازل على من الله ، (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) من الكتب النازلة على موسى عليهالسلام وعيسى عليهالسلام التي تتحدث عن الإله الواحد ، في مواجهة عقيدة الشرك ، فهل تجدون فيها أيّ إشارة إلى أيّ شريك لله كما تزعمون؟ وهل هناك كتاب آخر قد أنزله هذا الإله على الناس؟ (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ) ولا يملكون الرؤية الواضحة للأشياء لأن الغفلة قد سيطرت على عقولهم ، ولذلك فإنهم لا يملكون القاعدة التي تميّز بين الحق والباطل ، ولا يملكون الذهنية التي تقودهم إلى العقيدة الحاسمة في ذلك كله ، (فَهُمْ مُعْرِضُونَ) عن كل دعوة للتوحيد وعن كل دليل يؤكد الدعوة.
(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) في خطاب مستمر موجّه إلى الناس كافّة ، في إعلان حاسم لعقيدة التوحيد باعتبار أنها العقيدة الصحيحة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، وفي دعوة لتأكيد هذه العقيدة في حركة الإنسان في الحياة من خلال ما يتعبّد به المتعبّدون ، ويمارسه المطيعون ، وذلك بعبادة الله وحده في نداء ينطلق من الله بالذات ، من موقع الألوهية الحقّة المهيمنة على الأمر كله ، (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) في ما تفكرون به ، وتعيشونه من شرائع وأوضاع وعلاقات ، وفي ما تخضعون له من انتماءات.
* * *