إن المقرّبين من عباد الله المكرمين ، سواء منهم الملائكة أو الأنبياء والأولياء ، لا يعيشون الذاتية في مشاعرهم ، بل يتمثلون في وجدانهم العنصر الروحي ، فهم يعرفون مواقع رضا الله فيتحركون فيها ، ومحال كرامة الله ورحمته ، فينطلقون إليها ، ويعلمون أن الشفاعة كرامة يريد الله أن يكرم بها بعض خلقه فيشفعهم فيمن يريد أن يغفر لهم ويرحمهم ، لأنهم في الموقع الذي يمكن لهم فيه أن يقتربوا من رحمته ومغفرته ، ولذلك فهم يعرفون مواقع الشفاعة فيمن يطلبون من الله أن يشفّعهم فيهم فلا يشفعون للكافرين والمشركين والمنحرفين الذين حاربوا الله ورسوله ، لأنهم ليسوا في المواقع التي يستحقون فيها الرحمة ، ولأنهم لا يشعرون بأية عاطفة تجاههم ، ولا بأية مسئولية عنهم.
(وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) من خلقه ، في ما يعلمونه من مواقع رضاه ، (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) حيث يتمثلون في أنفسهم الإحساس العميق بعبوديتهم لله فيخشون أن يخطئوا في كلمة ، أو حركة ، أو علاقة ، أو عاطفة ، أو موقف ، مما يمكن لله أن يحاسبهم عليه ، فهم في مواقع الحذر في مواقعهم من الله لأنهم لا يريدون لحياتهم أن تنفصل عن مواقع رحمته ورضاه.
* * *
جزاء المحسنين .. والظالمين
(وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ) من الناس الذين يعيشون بعض ملامح الانتفاخ في الشخصية من خلال استغراقهم في ذواتهم ، أو من خلال استغراق الناس في شخصياتهم ، وتضخيمهم لأدوارهم وإمكاناتهم ، مما يجعل الذات تتعاظم في إحساسها الداخلي ، فتنسى عبوديتها لله ، وتعيش مشاعر التأله المرضي في مواقع عقدة الضعف الكامنة في داخل الذات ، إن على هؤلاء