وانقيادهم له ، في آفاق العبودية المطلقة التي يعيشونها فكرا ، ويتحسسونها شعورا ، ويتحركون فيها عملا وطاعة ، فهم (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ) حيث يعبّر السبق بالقول عن معنى كنائي عن الاستقلال في الفكر والكلمة والموقف ، الناشئ عن الشعور باستقلال الذات وحرية الموقف والموقع ، فهم لا يرون لأنفسهم ذلك ، بل يلتزمون التبعية المطلقة التي ينتظرون فيها الكلمة الإلهية ليلتزموها ويقولوها ، والخط الإلهي ليتحركوا فيه ، والشريعة الهادية لينفعلوا بها ، (وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) فلا يتمردون في كلمة ، ولا ينحرفون في خط ، ولا يبتعدون عن هدف ، مما يريده الله لهم ولدورهم في حركة الحياة ، فهم الخاضعون له ، وهو المسيطر على الأمر كله ، والمحيط بسرّهم وعلانيتهم ، في ما يحيطون به ، وما لا يحيطون به ، فهو يعلم منهم ما لا يعلمونه من أنفسهم ، (يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) في حاضر الواقع الذي يتحركون فيه ، وفي مستقبله ، فلا يغيب عن علمه شيء منه ، مهما كان دقيقا وخفيا ..
تلك هي مواقعهم التي تتميز بها ملامحهم الشخصية ، فلا يتجاوزون حدود مواقعهم أمام الله من خلال ما يعيشونه في داخل حياتهم الخاصة ، وما يتحركون به من العلاقات في حياة الآخرين ، فلا يتصرفون معهم إلا بما يعلمون أن الله يرضى عنه ، فلا يرون لأنفسهم الحرية في أن تتدخل العوامل الذاتية في ما يريدون أن يتقدموا به إلى الله ، من الشفاعة لبعض الخاطئين ، أو المنحرفين ، لأنهم يعرفون أن الشفاعة ليست حالة ذاتية ينطلق بها المقرّبون إلى الله ، ليستفيدوا من مواقع القرب ، في علاقاتهم الخاصة بالأشخاص ، ليقرّبوهم بعيدا عن الله ، كما يفعل الناس في الدنيا ، ليتقرب الناس إليهم بما يتقربون به إلى المقربين من الملوك والأمراء ، ليشفعوا لهم عنده ، فينفعلون بذلك في ما يتحدثون به إلى رؤسائهم ، في قضايا الامتيازات والشفاعات ، وما إلى ذلك ..