بينه وبين ربه غير مألوف ، وذلك نظرا إلى تقييد الحنان بقوله (مِنْ لَدُنَّا) ، إذ إنهم تستعمل في ما لا مجرى أو نظر فيه بالنسبة للأسباب الطبيعية العادية.
ولكننا لا نجد في الكلمة مثل هذا الإيحاء ، بل يكفي في صحة النسبة إلى الله أن يكون العمل صادرا منه بإرادته بشكل أو بآخر ، وربما تكون دلالتها على جانب الرعاية منه أكثر من دلالتها على الجانب غير العادي من ذلك. والله العالم.
(وَزَكاةً) في ما يتكامل فيه من عناصر النمو والبركة والطهارة ، أو في ما يغدقه على الناس من ذلك كله.
(وَكانَ تَقِيًّا) يعيش الخوف من الله والإحساس بمراقبته ، والالتزام بأوامره ونواهيه ، في ما تحمله التقوى من وعي الخط الرسالي ، وإصرار على تحريك الموقف ضمن ذاك الخط. وبذلك كان دوره دور القدوة التي توجه الناس بالممارسة ، كما توجههم بالدعوة.
(وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) في ما يعيشه من روحية البر ، وأخلاقية الإحسان التي تملأ قلبه شعورا بالرحمة ، واعترافا بجميل هذين الإنسانين اللذين كانا السبب في وجوده ، بإرادة الله ، والعنصر الأساس في عملية نموه وتكامله ، والقلب الكبير الذي أفاض عليه المحبة والخير والحنان ... وتلك هي الصفة الروحية الأخلاقية التي تجعل منه إنسانا منفتحا على الآخرين في إنسانيته ، ومتحررا من سجن الأنانية التي تحبس الإنسان في دائرة ذاته.
(وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) كما هي حال الكثيرين ممن يحتلون المواقع المتقدمة في المجتمع ؛ إذ إن مواقعهم تلك تدفعهم إلى الشعور بالقوة المستعلية والجبروت المتكبر الذي لا يرون معه لأحد عليهم حقا ، ويرون لأنفسهم كل الحق على الآخرين. بل هو ، على العكس من ذلك ، مجرد إنسان طيب متواضع يرى للناس الحق عليه في ما قد يراه لنفسه أو في ما لا يراه لها ،