أما يحيى ، فهو صورة الإنسان الرضيّ التقيّ الزكيّ الذي يعيش الوداعة ، والروحانية ، والطهارة ، والالتزام الواعي بالخط الإلهي ، الذي يريد الله للإنسان أن يتعمّق فيه روح التقوى ليحرك الحياة من حوله من خلال تلك الروح ، ولكن ذلك لا يمنعه من أن يحمل الكتاب بقوة ، ويتحدّى الواقع المنحرف بإيمان ، في وداعة تفتح القلوب على الحق من موقع أخلاقيّ ، وقوة تربط الإرادة بالموقف الرسالة ليحطم الحواجز من بين يديه ومن خلفه ، وليفتح الساحة الضعيفة على كلمات الله من قاعدة القوة ، ليكون ذلك مثلا حيّا للداعية الواعي الذي يحب الناس في وداعته وروحانيته ، ويحب الرسالة في حركة الدعوة إلى الله في قوتها وصلابتها وهو مثل تفتقر إليه الحياة في حركة الوسائل لتحقيق الأهداف. فمن بين المشاكل التي نعانيها في الواقع الرسالي ، هي مشكلة الرساليين الذين لا ينفتحون على الجانب الإنساني المأساوي من حياة الناس ، ومشكلة من ينفتحون على الرسالة ، من مواقع الضعف الإرادي.
* * *