وإذا لم يكن من العملي أن ننتظر المعجزة من الله كي نتحرك بواسطتها على أرض الواقع ، لأنها لا تمثل قاعدة في حياة الناس ، بل استثناء لمصلحة معينة في حياة الأنبياء والأولياء ، فإن لنا أن نستوحي في قصة زكريا القدرة الإلهية على تحدي الصعوبات المادية ، وألّا نستبعد الغيب في حياتنا الواقعية ، لا سيما في الأوضاع المعقدة الصعبة والتحديات القوية من أعداء الله ، مما قد يمنحنا القدرة على التماسك ، وعلى حفظ توازن الموقف ، وصلابته ، أمام حالات الاهتزاز الروحي والفكري والعملي ، الذي يمكن أن يتأتى عن مصادر الضغط المختلفة لننتظر الفرج القادم من عمق الغيب في ما يثيره في حياتنا من قضايا غير اعتيادية ، في ما يحركه الله في الساحة من غامض علمه ، مما لم نستطع اكتشافه بإحساسنا المادي.
ثم إننا نلاحظ هذه الروحية التي تجعله يفكر بالولد المؤمّل المطلوب من الله خوفا منه على مستقبل الرسالة ، إذا تسلّمها من ليسوا في مستوى المسؤولية من الأقرباء الغرباء عن مواقعها الأصيلة. ولذلك فإنه يريد الولد الرضيّ الذي يتسلم المهمة من موقع الكفاءة الروحية والأخلاقية والعملية ، ليحفظ الساحة من كل اهتزاز وانحراف واستغلال.
وإذا كنا مصيبين في استفادتنا هذا المعنى من الآيات ، فإن ذلك يؤكد لنا أن همّ الإنسان الرسالي الكبير هو مستقبل الأمة ، وليس فقط حاضرها لأن تفكيره لا يقتصر على الحاضر فقط ، بل يتعداه إلى المستقبل في نظرته إلى حركة الرسالة في الحياة ؛ كما يوحي إلينا بأن الولد الذي يعيش في أمنياته ، لا يمثل مجرد حاجة ذاتية حدودها الرغبة الإنسانية في امتداد الحياة عبر الأولاد تحقيقا لرغبة خفيّة بالخلود ، ولو عن طريق غير مباشر ، بل يمثل حاجة رسالية لإكمال مشاريع رسالته الفكرية والعملية من خلال أقرب الناس إليه وهو من يعتبر امتدادا لحركته الفاعلة على أكثر من صعيد.