فلا التواء ولا انحراف في أى تصور أو سلوك ، أو علاقة ، أو منهج للحركة وللحياة.
ولا تحتاج المسألة في ذلك كله إلا إلى الوعي العميق لسرّ الألوهية المتصلة بالوحدانية. وإلى دراسة الإنسان في عناصر ضعفه ، وعناصر قوته ، لما يكفل عدم إخراج أي إنسان عن حدود الإنسانية المحتاجة في كل شيء إلى مصدر القوة والحياة ، هذه القوة التي تمثل الغنى المطلق مقابل فقر الإنسان المطلق في ما تعنيه علاقة المخلوق بخالقه. ولهذا فإن من الضروري أن تكون الدراسة للوجود ، في القوى الإنسانية والكونية ، خاضعة للموازين الدقيقة التي ترى القوة الإنسانية في حجمها الطبيعي ، فلا تغلفها الأسرار الغامضة التي يفرضها التصور المنحرف ، ويوحي بها الخيال الواسع. فإن كثيرا من حالات الغلو في نظر الناس إلى الشخص العظيم ، تأتى عن الأوهام الذاتية ، والتصورات الخيالية التي يضيفها الناس إلى الشخص ، فينفخون شخصيته دون الاستناد إلى حقيقته في الواقع.
(فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ) في أمر عيسى ، هل هو إله متجسد ، أو هو ابن الله ، أو هو ابن نبي مرسل ، أو هو شخص مزيف؟ فلكل واحد مقال يختلف فيه عن الآخر. وهكذا كان منهم المحق ، والمبطل ، والمؤمن والكافر ، (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) وهو يوم القيمة الذي يقف فيه الكافرون موقفا صعبا أمام الله لأنهم لا يملكون أية حجة في ذلك ، بل استسلموا للشبهات والأهواء ، وامتنعوا عن التفكير العميق والحوار الرصين.
(أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ) فقد كانوا في الحياة الدنيا لا يسمعون ولا يبصرون ، لأنهم أغلقوا منافذ سمعهم وبصرهم عن العلم النافع الذي يقودهم إلى الحق والهدى ، ولكنهم الآن يسمعون كأفضل ما يكون السمع ، ويبصرون كأفضل ما يكون البصر ، فما أسمعهم ، وما أبصرهم بالحق (يَوْمَ يَأْتُونَنا) فيشاهدون الحقيقة الناصعة دون أن يستطيعوا الهرب منها أو مواجهتها ، لأنها تفرض