وهكذا رأينا أن أبا إبراهيم لجأ إلى أسلوب الكافرين التقليدي نفسه الذي لا يجد الكافر فيه ما يقوله دفاعا عن موقفه ، لأن عقيدته لا تنطلق من موقع فكر وقناعة ، فيلجأ عندئذ إلى التهديد والوعيد ، ليغطي بذلك ضعفه أمام الكلمة الواعية المسؤولية. (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ) فلن أستخدم الأسلوب الذي استخدمته معي ، ولن أهددك كما هددتني ، فإذا كنت قد أعلنت الحرب عليّ ، فإني أرد عليك بالسلام الذي يعيشه المؤمن تجاه الآخرين ، فيعفو عنهم ويصفح إذا أساؤوا إليه ، وأجرموا في حقه ، ليدفع السيئة بالحسنة ، ويفسح لهم المجال للتراجع عن موقفهم السيّئ. ولو بعد حين.
(سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) فلعله يستجيب لي فيفتح قلبك على الإيمان ، ويهديك سواء السبيل ، فإن لم أستطع أن أصل إلى هدايتك بطريقتي الخاصة ، فإني أطمع أن تهتدي بلطف الله وعنايته ، فسأدعوه وأبتهل إليه (إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) فلا بد أن يسمع دعائي ، وهو الذي يعرف صلاح الأمر كله ، ولا أزال أطمع في أن تكون لك فرصة للخير في حياتك.
(وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) لأن دعوتي إلى الخير منطلقة من الله ، أما دعوتكم فهي إلى الشر القادم من الشيطان ، ولن يلتقي الباحثون عن الخير بالباحثين عن الشر في نقطة من الطريق ، لأن طريق كل منهما يختلف عن الآخر ، كما أن مجتمع كل منهما يختلف عن مجتمع الآخر. ولذلك فإني سأبتعد عنكم ، كما تريدون ، وكما يفرض عليّ الموقف والموقع ، (وَأَدْعُوا رَبِّي) وأرجع إليه ، وأرجو رحمته ورضاه ، (عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) لأنه يشمل عباده برحمته ، فيستجيب لهم إذا دعوه ، ويلبيهم إذا نادوه ، ويقبل عليهم إذا ناجوه ، لأنه الرب الرحيم الذي سبقت رحمته غضبه ، فلا يحجب رحمته عن السائرين إليه ، الراجين رضاه.
(فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) وأعطى من نفسه المثل الحي