لأنه الذي لا يخلف وعده ، (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) مما يثقل الروح ويتعب السمع من دون أن يكون له أي يغني الفكر ويعمق المعرفة ، لأن أجواء الجنة في الأجواء المنفتحة على صفاء المعرفة المتحركة مع آفاق النور ، وعمق الروح الباحثة عن الله ، في الفكرة والكلمة ، والشعور ... ولا يسمعون فيها أي كلام يخلق الأحاسيس المربكة للنفس ، أو يفتح القلب على المعاني التي تزرع الحقد والشر والبغضاء في أعماق الضمير ، لأن الله أراد للجنة أن تكون ساحة المحبة التي يعيش فيها المجتمع الإنساني بروح ملائكية في طهرها وانفتاحها على الخير كله ، والمحبة كلها ، فلا يسمعون فيها (إِلَّا سَلاماً) يتنزل عليهم من الله ، وتتلقاهم به الملائكة ، وتبادرهم به الحور العين ، ويتبادلونه في ما بينهم ، ليعيشوا أجواء السّلام وروحانيته في مشاعرهم وكلماتهم ، حيث الأمن والرضا والاطمئنان الروحي ، وليس هناك جوع للحنان ، لأن الله يمنحهم الحنان الإلهي كله ، وليس هناك عطش للرحمة ، لأن الرحمة تتفايض عليهم كالنور المنهمر من قبل السماء في صفاء الفجر ووداعته.
(وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) فلا يمتنع عنهم شيء مما يشتهون متى شاؤوا ، (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) بما تشتمل عليه من نعيم ويلتقي فيها من الخير والرحمة والرضوان. إنها للأتقياء الذين عاشوا التقوى التزاما في الفكر ، ومعاناة في الروح ، وصفاء في الشعور ، وانضباطا في الخطوات العملية في حركة المسؤولية في الحياة ، مما كانوا يعيشونه من مراقبة الله في السر والعلانية في إحساسهم العميق بحضور الله في كل مجالاتهم في الحياة. فمن يرد الجنة ، فليرتد ثوب التقوى ، ولينهج منهجها ، وليلتق بالله في كل آفاقه وخلفياته وتطلعاته الفكرية والروحية على مستوى الكون والإنسان والحياة.
* * *