وتتفتت ، (وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) فتسقط وتنهدم ، (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) لأن هذه المخلوقات الكونية لا تتحمل الإساءة إلى الله في أيّ شيء يبتعد عن مستوى عظمته.
(وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) لأن ذلك يتنافى مع ربوبيته ، والله هو الغني عن كل شيء ... (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) لأنهم يعرفون بعمق وجودهم أنهم مخلوقون له ، ومحتاجون إليه من دون فرق بين مخلوق ومخلوق ، فمهما ارتفعت درجات بعضهم عن بعض ، فإنها لا ترتفع عن درجة العبودية لله ، لأن امتيازاتهم الذاتية تتحرك في دائرة العبودية والحاجة إليه في طبيعة الوجود والاستمرار. ولعل المراد بإتيان كل هؤلاء للرحمن ، في مواقع العبودية ، هو انقيادهم في وجودهم وفي إطاعتهم لله على أساس الإحساس بالعبودية والاعتراف بها بين يديه.
(لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا) فهو الذي خلقهم ، وهو الذي يرزقهم ، وهو المحيط بهم ، ولذلك فقد أحصى عددهم ووظائفهم وأمكنتهم ، في مظهر من مظاهر قوته أمام مظهر خضوعهم وضعفهم. (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) مجردا من كل مظاهر القوة وعناصر السلطة ومواقع الأمن ، حيث يقف وحده أمام الله ، لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا ، ولا يجد له ناصرا من دون الله ، فيواجه نتائج المسؤولية في ما أطاع وعصى.
(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) من المودة وهي المحبة ، بحيث تفيض عليهم المحبة من بين أيديهم ومن خلفهم ، وتعيش في داخلهم ، وتنزل عليهم من ربهم ، وذلك هو غاية ما يتمناه الإنسان في إيمانه وفي عمله.
* * *