لتوحي إليه بأن دورك هو دور المبلّغ الذي يدعو ليسمع الآخرون ، ويبلغ ليتذكر الغافلون. فإن مسئوليتك لا تتجاوز هذا الموقع ، وتبقى مسئولية الآخرين في انفعالهم بما تدعوهم اليه ، وبما تذكرهم به ، فلما ذا تتألم وتتحسر وتشقي نفسك؟
(إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى) لأن مشكلة هؤلاء الذين يكفرون ، أو يشركون مع الله غيره في العقيدة ، وفي العبادة ، أنهم يعيشون الغفلة المطبقة التي تمنعهم من الانفتاح على مواقع الوعي واليقظة والتذكر ، مما يجعل الدعوة بمثابة الصدمة التي تكسر الجمود الذي تحجر في أفكارهم ومشاعرهم ، ليعودوا إلى أنفسهم وفطرتهم التي تقف بهم في مواجهة المسؤولية أمام الله ، في ما ينذرهم به من عقابه ، فتلين قلوبهم بفعل الخشية من الله ، وتطمئن أفكارهم للفكر الذي ينطلق من قلب الوحي ، في ما تحدثت به آيات الله سبحانه من أدلة وبراهين وإيحاءات.
ولعل التعبير بالتذكرة لا يخلو من استعارة لمعنى الوعي ، باعتبار أن الغفلة تضاده ، كما أنّ النسيان ينافيه. وذلك للإيحاء بأن فكر الإيمان كامن في الأعماق بحيث يعيشه الإنسان في وجدانه بطريقة لا شعورية من خلال الفطرة ، تماما ، كما هي الحالة الشعورية للأشياء المعلومة له ، بحيث لو استثاره بطبيعته فإنه يكتشفها من أقرب طريق ، فتتحول مسألة الوعي والانتباه في العمق ، إلى ما يشبه حالة التذكر ، والله العالم.
أما مسألة التأكيد على (لِمَنْ يَخْشى) فلأن الخشية تثير في داخل الإنسان المشاعر القلقة الحائرة التي تبحث عن الأمن والطمأنينة ، والاستقرار الروحي أمام القضايا التي تثيرها الدعوة القرآنية في نفسه ، من خلال علامات الاستفهام المتحركة في وجدانه ، في هذا الموقع أو ذاك ، فيدفعه ذلك إلى التأمل العميق ، والتفكير الجاد ، في الطريق إلى الإيمان .. أما الذي لا يخشى عذاب الله ، فإنه