جسما ، أو يحتويه مكان ، وهذا ما ورد به الحديث عن الإمام جعفر الصادق عليهالسلام في ما رواه عنه الصدوق في كتاب التوحيد ، قال في حديث طويل : «قال السائل : فقوله : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) قال أبو عبد الله عليهالسلام : بذلك وصف نفسه ، وكذلك هو مستول على العرش ، بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا أو حاويا له ، ولا أن يكون العرش حاويا له ، ولا أن يكون العرش محتازا له ، لكنّا نقول : هو حامل للعرش وممسك العرش ، ونقول في ذلك ما قال : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) (١) [البقرة : ٢٥٥].
وإذا كان العرش يمثل في مضمونه الكنائي الموقع الذي يطل على الكون كله ، فإن الاستواء عليه يمثل الإشراف على مواقع السلطة كلها ، من صغير الأمور وكبيرها ، وقريب الأشياء وبعيدها ، فليس شيء أقرب إليه من شيء ، وكانت نسبة الأشياء إليه على حد سواء. وقد لا يكون هناك منطقة كونية تسمى بالعرش ، ولكن ليس من الضروري أن تكون الآية ناظرة إليها ، لأنها تلتقي بالجانب المعنوي منها ، لا بالجانب المادي.
ولعل مثل هذا الاستيحاء الكنائي في الآية لا يدخل في باب التأويل الذي يذهب بعض الناس إلى ضرورة إبعاد القرآن عنه ، لأن ذلك يؤدي إلى جواز تأويل جميع معارف الدين وأحكام الشرع ، وهو قول الباطنية ، بل إن ذلك يندرج في الفهم البلاغي القرآني الذي لا يقتصر على حمل الألفاظ على معانيها اللغوية الحقيقية ، بل يتسع للمعاني المجازية الواردة على طريقة الكناية والاستعارة ، على أساس وجود بعض القرائن العقلية واللفظية التي تصرف اللفظ عن ظاهره ، فتكون المسألة من باب رد المتشابه إلى المحكم .. فإذا كان العقل يحيل فكرة جسمية الله وخضوع أفعاله لما يخضع له خلقه في أوضاعهم المادية ، وإذا كان
__________________
(١) نقلا عن : تفسير الميزان ، ج : ١٤ ، ص : ١٢٨.