الإنسانية التي تكمل الطريق من خلال نقاط الضعف والقوة ، تبعا للظروف الواقعية التي تتحرك على صعيد الواقع.
وإننا نعرف الغني الروحي والرسالي في قصة موسى ، في ما تشتمل عليه من عناصر متنوعة تتصل بالشخص الداعية ، والشخصيات المضادّة ، والتحديات الصعبة ، والمجتمع المعقّد الجاهل الذي انطلقت الرسالة من أجل إنقاذه ، فتحول إلى مجتمع ضاغط على حركتها التغييرية في المستقبل ، وأصبح مثيرا للمشاكل في ساحتها أكثر مما أثاره خصومها وأعداؤها.
وربما كانت حركة القصة في السورة منسجمة مع البداية التي أرادت أن تركز في وعي النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم الابتعاد عن الشعور بالإحباط أمام حالات التمرد والجحود ، لأنّ مهمته هي إبلاغ الرسالة للتذكير والتوعية. وتبقى للظروف الموضوعية مسألة الامتداد أو التراجع ، في ما تحمله من نقاط القوة ، وتبقى إرادة الله فوق ذلك ، في ما اقتضت حكمته أن تسير الأمور وفق السنن الكونية التي أودعها في النظام الكوني للحياة وللإنسان.
إن القصة تريد أن تطرح حركة موسى في الدعوة ، كتجربة رسالية رائدة في طبيعة مواقع القوة المتحدية ، وفي نوعية المشاكل المتحركة في الساحة من الداخل والخارج ، لتكون درسا للعاملين في خط الدعوة إلى الله ، لينظروا إلى المسألة بطريقة واقعية ، وليعرفوا أن المعجزة عند ما تحدث فإنها لا ترافق الرسالة في جميع المراحل ، بل تعمل على منحها الثبات في البداية ، ليتم استكمال نشرها بالوسائل البشرية في المراحل الباقية في الطريق إلى الهدف.
(وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) كيف عاش التجربة الأولى ، وكيف اتصل بالله سبحانه في أول انطلاقته الرسالية ، وهل أتاك حديثه في مواجهته لفرعون ، ولقومه من بعده وكيف واجه الصعوبات التي أثقلت روحه ، دون أن تحطم إرادته في مواصلة المسيرة؟