غلطا ، فإنّ جميع هذه الأوصاف من لواحق الأحكام. اللهمّ إلّا إذا قارن المحسوس حكم غير مأخوذ من الحس وحينئذ يوصف بهذه الأوصاف من حيث كونه حكما ، ويقال له حكم يقيني أو غير يقيني.
وإذا تقرر هذا ، ثبت أنّ قولهم : المحسوسات ليست يقينية ، ليست بمحسوسات فقط (١) ، فإنّها لا يمكن أن تكون يقينية أو غير يقينية بمعنى عدم الملكة ، إنّما هي ليست يقينية بمعنى السلب ، كما أنّ الإدراك وحده ليس حكما.
وإذا كانت المحسوسات مقارنة باعتبار كونها مطابقة أو غير مطابقة ، أو صوابا أو غلطا ، فادّعاء أنّ المحسوسات لا تكون يقينية عند جماعة من الحكماء كأفلاطون وأرسطو وبطليموس وجالينوس ، حيث زعموا أنّ اليقينيات هي المعقولات لا المحسوسات ، كما نقله فخر الدين عنهم غير صحيح ؛ لأنّ الحكماء ذكروا أنّ مبادئ اليقينيات هي الأوّليات والمحسوسات والمجرّبات والمتواترات والحدسيات ، وسمّوها بالقضايا الواجب قبولها. (٢) وذكروا أنّ مبادئ المجرّبات والمتواترات والحدسيات هي الإحساس بالجزئيات ، وأنّ الأوّليات يكتسبها الصبيان باستعداد يحصل لهم من الإحساس بالجزئيات. ولذلك حكم كبير الجماعة بأنّ «من فقد حسّا فقد علما» وأنّ أصول أكثر العلم الطبيعي كالعلم بالسماء والعالم ، والعلم بالكون والفساد ، وبالآثار العلوية ، وبأحكام النبات ، والحيوان ، مأخوذ من الحس ؛ وعلم الارصاد والهيئة المبنية عليها عند بطليموس ، وعلم التجارب الطبية عند جالينوس مأخوذ من المحسوسات ، وعلم المناظر والمرايا ، وعلم جرّ الأثقال والحيل الرياضية كلّها مبنية على الإحساس وأحكام
__________________
(١) العبارة في المصدر : (ثبت أنّ المحسوسات في قوله : «إنّ اليقينيّات هي المعقولات لا المحسوسات» ليست بمحسوسات فقط).
(٢) انظر تعريف هذه القضايا في شرح الإشارات ١ : ٢١٤ وما يليها.