أنّ حكم الحس بالبقاء غير مقبول.
قال أفضل المحقّقين : الحكم بالبقاء هو : الحكم بأنّ الموجود في الزمان الثاني هو بعينه الموجود في الزمان الأوّل وهذا الحكم لا يصحّ من الحسّ ، فإنّه لا يقدر على استحضار الزمانين ، فكيف يستحضر الموجود فيهما؟
فإذن الحكم بالبقاء لا يكون إلّا من العقل ، والعقل إنّما يغلط إذا عقل المشترك بين الشيئين المتشابهين ، ولم يعقل ما به يمتاز كلّ واحد منهما عن الآخر. فإحالة هذا الغلط على الحس ليس بصواب.
وأمّا حكم الأشاعرة : بأنّ الألوان غير باقية ، فشيء لزمهم بحسب أصولهم المسلّمة عندهم ، وهي أنّ الأعدام لا يمكن أن تكون فعلا للفاعل ، وأنّ الموجود الباقي حال بقائه مستغن عن المؤثر ، وأن لا مؤثر إلّا الله تعالى. وإذا شاهدوا أعراضا لا يدوم وجودها التزموا القول بتجددها حالا بعد حال.
والمعتزلة لمّا جوزوا طريان الضدّ على محلّ الضد الآخر المقتضي لإفنائه لم يقولوا بذلك.
والفلاسفة لما جعلوا الباقي حال بقائه محتاجا إلى المؤثر ، لم يحتاجوا إلى ارتكاب ذلك.
والنظام من المعتزلة جعل الأجسام أيضا غير باقية لمثل ذلك. وهذه أحكام غير متعلّقة بالحس. (١)
وفيه نظر ، فإنّه قد تقدّم غير مرّة أنّ المراد من قولنا : هذا حكم الحس ، الإشارة إلى أنّ الحس هو مبدأ الحكم العقلي. ولا ريب أنّ الحس لمّا أدّى أوّلا صورة ثمّ أداها ، وحكم العقل بالاتحاد حكم بالبقاء أيضا.
__________________
(١) نقد المحصل : ٢٢ ـ ٢٣.