وقوله هذه الأحكام غير متعلّقة بالحس ، ممنوع بل إنّما عقلية مستندة إلى الحس.
ح : النائم يرى في النوم شيئا ويجزم بثبوته ، ثمّ يتبيّن له في اليقظة أنّ ذلك الجزم كان باطلا ، إذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن تكون هناك حالة ثالثة يظهر فيها كذب ما رأيناه في اليقظة؟
وصاحب البرسام قد يتصور صورا لا وجود لها في الخارج ويشاهدها ويجزم بوجودها ويصيح خوفا منها ، وهذا يدل على أنّه يجوز أن تعرض للإنسان حالة لأجلها يرى ما ليس بموجود في الخارج موجودا ، وإذا جاز ذلك فلم لا يجوز أن تكون الحال فيما يشاهد الأصحاء هذه الحال؟
لا يقال : الموجب لتلك الحالة هو المرض ، وعند الصحّة لا يوجد.
لأنّا نقول : انتفاء السبب الواحد لا يوجب انتفاء الحكم ، بل هذا الاحتمال لا يندفع إلّا بحصر أسباب ذلك التخيّل الكاذب ، ثمّ بيان انتفائها ، ثمّ بيان أنّ المسبّب لا يجوز حصوله ولا بقاؤه عند انتفاء الأسباب ، لكن كلّ واحدة من هذه المقدمات ممّا لا يمكن إثباته إلّا بالنظر الدقيق لو أمكن ، فلزم أن لا يجوز الجزم بوجود شيء من المحسوسات ، إلّا بعد العلم بتلك الأدلة ، وذلك ممّا يدل على أنّ مجرّد حكم الحس غير مقبول.
قال أفضل المحققين : النائم يرى في منامه مثل ما يرى المستيقظ ، إلّا أنّ المستيقظ لمّا كان واقفا على أحكام اليقظة حكم بأنّ أحد مرئييه واقعا حقا ، والآخر غير واقع وغير حقّ ، والنائم لما كان غافلا عن الإحساس حسب أنّ الواقع هو الذي يراه في خياله. وهذا ليس بغلط حسي ، بل غلط للنفس من عدم التمييز بين الشيء وبين مثاله حالة الذّهول عن الشيء.