وحكم صاحب البرسام حكم النائم ، فإنّه لاستغراقه في الخيال وغفلته عن الإحساس تحكم نفسه بمثل ما يحكم به النائم.
وفي جميع الأحوال لم يعرض للإنسان حالة لأجلها يرى ما ليس بموجود موجودا ، فإنّه لم ير ذلك ، بل أدرك بخياله شيئا غفل معه عن الإحساس. فظهر أنّ الحس لم يدرك ما ليس بموجود في حال من الأحوال أصلا ، ولم يثبت الإحساس بشيء غير واقع في موضع البتة.
وأمّا تجويز الغلط فيما يشاهد الأصحاء ، لتجويزه فيما يدركه النائم والمريض فممّا يأباه العقل الصريح. ونحن لم نثبت الوقوف بالمحسوسات بدليل ، بل نقول العقل الصريح يقتضيه.
وهذه الأجوبة إنّما نوردها لبيان أسباب الغلط الذهني بعد أن حكم العقل بكون ذلك غلطا للذهن ، لا لإثبات صحّة ما ندركه بالحواس ، كما قدّمنا بيانه.
و «انتفاء السبب الواحد لا يوجب انتفاء الحكم» مسلّم ، لو أثبتنا صحّة الحكم بالمحسوسات في الخارج بدليل لكان الأمر على ما ذكره ، لكنّا لم نثبت ذلك إلّا بشهادة العقل من غير رجوعه إلى دليل ، فليس علينا أن نجيب عن هذه الإشكالات ، فإنّ احتمال عدم الصحّة فيما يشاهده الأصحّاء مندفع عند بديهة العقل من غير تأمّل في الأسباب وحصرها وانتفائها وبيان امتناع حصول المسبب عند انتفاء الأسباب ، وغير ذلك ممّا يثبت بالنظر الدقيق والجليل. (١)
ط : نرى الثلج في غاية البياض ، ثمّ إذا بالغنا في النظر إليه رأيناه مركبا من أجزاء جمديّة صغار ، وكلّ واحد من تلك الأجزاء شفاف خال عن اللون. فالثلج في نفسه غير ملوّن مع أنّا نراه ملوّنا بلون البياض.
__________________
(١) نقد المحصل : ٢٣ ـ ٢٤.